خَرَجَ مَعَ عَبْد الرَّحْمَن يُحَرَض عليّ، أما إِنَّه لَئِن أمكن الله مِنْهُ لأجعلن الدُّنْيَا أضيف عَلَيْهِ من مِسْك جمل، قَالَ: فَمَا لبثنا أَن هُزِمْنا فَجئْت إِلَى بَيْتِي فدخلتُه وأغلقت عليّ بَابي، فَمَكثت تسْعَى أشهر الدُّنْيَا عليّ أضيقُ من مسك جَمل، فندب النّاس لخراسان، فَقَامَ قُتَيْبَة بن مُسلم، فَقَالَ: أَنا لَهَا، فعقد لَهُ خُرَاسَان وعَلى مَا غلب عَلَيْهِ مِنْهَا وَأمن لَهُ كل خَائِف، فَنَادَى مناديه: إِنَّه من لحق بعسكر قُتَيْبَةَ فَهُوَ آمن، فَجَاءَنِي شيءٌ لم يجيئني شيءُ هُوَ أسَرٌّ مِنْهُ، فَبعث بمولى لي إِلَى الْكُنَاسة، فَاشْترى لي حمارا وزودني، ثمَّ خرجت فَكنت فِي الْعَسْكَر، فَلم أزل مَعَه حَتَّى أَتَيْنَا فرغانة، فَجَلَسَ ذَاتَ يَوْمَ وَقد برّق، فنظرتُ إِلَيْهِ فعرفتُ مَا يُرِيد، فَقلت: أَيهَا الْأَمِير! عِنْدِي عَلَمُ مَا تُرِيدُ؟ قَالَ: وَمن أَنْت؟ قَالَ: قلت: أعيذُك أَلا تَسَلْ عَنْ ذَاكَ، قَالَ: أَجْلِ، فَعرف أَنِّي مِمَّن يُخفي نَفسه، فَدَعَا بِكِتَاب فَقَالَ: أكتب نُسْخَة، قلت: لستُ مُحْتَاجا إِلَى ذَلِكَ، فَجعلت أمل عَلَيْهِ وَهُوَ ينظر إليَّ حَتَّى فرغتُ من كتاب الْفَتْح، قَالَ: فَحَمَلَنِي عَلَى بغلة وَأرْسل إليَّ بِسَرَقٍ من حَرِير، وكنتُ عِنْدَهُ فِي أحسن منزلَة، فَإِنِّي لَيْلَة أتعشى مَعَه إِذْ أَنَا برَسُول من الْحجَّاج بِكِتَاب فِيهِ: إِذْ نظرتَ فِي كتابي هَذَا فَإِن صَاحب كتابك عَامر الشَّعْبِيّ، فَإِن فاتك قطعت يَديك على رجلك وعَزَلْتُك، قَالَ: فَالْتَفت إليَّ فَقَالَ: مَا عرفتُك قبل السَّاعَة فَامْضِ حَيْث شِئْت من الأَرْض، فوَاللَّه لأحلفنَّ لَهُ بكلِّ يَمِين، قَالَ: قلت: أَيهَا الْأَمِير إِن مثلي لَا يَخْفى، قَالَ: فَقَالَ: أَنْت أعلم، قَالَ: فَبَعَثَنِي إِلَيْهِ مَعَ قَوْمٍ وأوصاهم بِي، وَقَالَ: إِذا نظرتم إِلَى خضراء وَاسِط فاجعلوا فِي رجلَيْهِ قيدا ثُمَّ ادخُلُوا بِهِ عَلَى الحَجَّاج، قَالَ: فَلَمّا دنوتُ من وَاسِط استقبلني ابْن أبي مُسْلِم فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرو! إِنِّي لأضنُّ بك عَلَى الْقَتْل، إِذَا دخلت عَلَى الحَجَّاج فَلَمّا رَآنِي قَالَ: لَا مرْحَبًا بك وَلَا أَهلا يَا شعبي الْخَبيث، جئتني وَلست فِي الشّرَف من قَوْمك وَلَا عَرِيفًا وَلَا مِنْكبًا، فألحقتك بالشرف وجعلتك عريفًا عَلَى الشّعْبييِّن ومِنْكبًا عَلَى جَمِيع هَمدان، ثُمَّ خرجتَ مَعَ عَبْد الرَّحْمَن تُحَرِّض عليّ؟ قَالَ: وَأَنا سَاكِت لَا أُجِيبهُ، قَالَ: فَقَالَ لي: تكلم، قَالَ: قلت: أصلح اللَّه الْأَمِير، كلّ مَا ذكرت من فضلك فَهُوَ عَلَى مَا ذكرت، وكل مَا ذكرت من خروجي مَعَ عَبْد الرَّحْمَن فَهُوَ كَمَا ذَكَرت، وَلَكنَّا قَد اكتحلنا بَعْدَك بالسهر وتَحَلّسنا الْخَوْف، وَلم نَكُنْ مَعَ ذَلِكَ بررة أتقياء وَلَا فجرة أقوياء، وَإِن حقنت لي دمي واستقبلت بِي التَّوْبَة؟ قَالَ: قَدْ حقنتُ دمك واستقبلتُ بك التَّوْبَة، قَالَ: فَقَالَ ابْن أبي مُسْلِم: الشَّعْبِيّ كَانَ أعلم مني حَيْث لَمْ يقبل مني الَّذِي قلت لَهُ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر، وَحَمْزَة بْن الْحُسَيْن، قَالَا: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنْصُور قَالَ: سَمِعت الْأَصْمَعِي، يَقُولُ: حَدَّثَنِي عُثْمَان الشحام، قَالَ: لمّا أَتَى الحَجَّاج بالشعبي عاتبه، فَقَالَ لَهُ الشَّعْبِيّ: أصلح اللَّه الْأَمِير، أجدب بِنَا الجَنَاب، وأحزن بِنَا الْمنزل، واستحلسنا الْخَوْف، واكتحلنا السهر، وأصابتنا خِزْية لَمْ نَكُنْ فِيهَا بررة أتقياء، وَلَا فجرة أقوياء، قَالَ: لله دَرُّك