الْحسن بْن سهل، فَقدم الْمَأْمُون مَدِينَة السَّلَام فَقَالَ لي: يَا يحيى خلوت بِالسَّوَادِ ولعبت فِي أَمْوَالِي واحتجنتها واقتطعتها، قَالَ فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا أَنا كَاتب لرجلٍ، والمناظرة فِي الْأَمْوَال والأعمال مَعَ صَاحِبي لامعي، قَالَ: مَا أطلب غَيْرك، وَلَا أعرف سواك، فصالحني على مائَة ألف ألف، قَالَ: فَضَحكت، فَقَالَ: يَا يحيى أجد وتهزل؟، قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا ضحِكت تَعَجبا، وَبِاللَّهِ مَا أملك إِلَّا سبعماة ألف دِرْهَم، فَكيف أصالحك على مائَة ألف ألف؟ قَالَ دع عَنْك وَأَعْطِنِي خمسين ألف ألف، قَالَ: فَمَا زلت أجاذبه ويجاذبني إِلَى أَن بلغ إِلَى اثْنَي عشر ألف ألف، فَلَمَّا بلغ إِلَيْهَا قَالَ: نفيت من الرشيد إِن نقصتك شَيْئا مِنْهَا، فَقلت: السّمع وَالطَّاعَة، قَالَ: أقِم لي ضمينا إِن لم تف طالبته بهَا، قلت: صَاحِبي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ يضمنني، قَالَ: أَترَانِي إِن دافعت بِالْأَدَاءِ أطالب الْحسن بْن سهل بِمَا عَلَيْك؟ هَذَا مَا لَا يكون، قَالَ فَقلت: عَبد اللَّه بْن طَاهِر، فَقَالَ: عَبد اللَّه سَبيله سَبِيل صَاحبك، قلت: فحميد، قَالَ: وَهَذِه سَبيله، فَقلت: أتضمنه يَا فرج؟ قَالَ: نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَقَالَ: إِنِّي وَالله أحْرجهُ بالإلحاح عَلَيْهِ فِي الْمُطَالبَة حَتَّى يهرب أَو يسْتَتر ثُمَّ آخذك بِالْمَالِ فتؤديه لِأَنَّك ملي بِهِ، فَقَالَ فرج: صَاحِبي ثِقَة وَهُوَ لَا يخفرني إِن شَاءَ الله. قَالَ يحيى: فَكتبت إِلَى الْحسن بْن سهل وَعبد الله بْن طَاهِر وَحميد ودينار بْن عَبد اللَّه وغسان وَرِجَال الْمَأْمُون أسألهم إعانتي فِي هَذَا المَال، قَالَ: فَحَمَلُوهُ إِلَيّ كُله عَن آخِره، حمل كل إِنْسَان مِنْهُم على قدره، قَالَ يحيى: وكتبت رقْعَة إِلَى المأمن أعرفهُ أَن المَال قد حضر وأسأله أَن يَأْمر بِقَبْضِهِ. قَالَ: فأحضرني، فَلَمَّا وَقعت عينه عَليّ قَالَ لي: يَا خائن الْحَمد لله الَّذِي بَين خِيَانَتك وَأظْهر لي كَذبك، ألم تذكر أَنَّك لَا تملك إِلَّا سَبْعمِائة ألف دِرْهَم، فَكيف تهَيَّأ لَك أَن حملت فِي عشرَة أَيَّام اثْنَي عشر ألف ألف؟ قَالَ قلت: حملتها يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من هَذِه المجريدة، وَدفعت إِلَيْهِ الجريدة بأسماء من حمل المَال ومبلغ مَا حمل كل واحدٍ مِنْهُم، قَالَ: فَقَرَأَ الجريدة ثُمَّ أطرق مَلِيًّا وَرفع رَأسه فَقَالَ: لَا يكون أَصْحَابنَا أَجود منا بِهَذَا المَال، قد وهبناه لَك وأبرأنا ضمينك، قَالَ يحيى: فَانْصَرَفت ورددت المَال إِلَى أَصْحَابه فَأَبَوا أَن يقبلوه وَقَالُوا: قد وهبناه لَك فَاصْنَعْ بِهِ مَا أَحْبَبْت، قَالَ فَحَلَفت أَن لَا أقبل مِنْهُ درهما وَاحِدًا، وَقلت لَهُم: أَخَذته فِي وَقت حَاجَتي إِلَيْهِ، ورددته عِنْد استغنائي عَنْهُ، وقبولي إِيَّاه فِي هَذَا الْوَقْت ضرب من التغنم، فرددته عَلَيْهِم.

فِي قدر وَجْهَان

قَالَ القَاضِي رَحمَه الله: حمل كل إِنْسَان مِنْهُم على قدره يجوز أَن يكون فِيهِ إسكان الدَّال وَفتحهَا، وهما لُغَتَانِ يرجعان إِلَى معنى وَاحِد، وَقد قَرَأت القرأة " وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ " الْبَقَرَة: 236 بِالتَّحْرِيكِ والإسكان وَقد أنْشد أهل الْعلم بِالْعَرَبِيَّةِ هَذَا الْبَيْت:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015