حَدثنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن بنان الْكَاتِب قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاس ابْن الْفُرَات قَالَ: كُنَّا لَيْلَة فِي دَار أَبِي الصَّقْر إِسْمَاعِيل بْن بلبل فَوَافى يَعْقُوب بْن إِسْحَاق الصَّائِغ برسالةٍ من أَبِي الْقَاسِم عُبَيْد اللَّهِ بْن سُلَيْمَان فِي حاجةٍ لَهُ، فَجَلَسَ مَعنا إِلَى أَن يُؤذن لَهُ على أَبِي الصَّقْر، فَجرى ذكر أَحْمَد بن أبي دوادٍ فَكل حدث عَنْهُ وَعَن أَيَّامه بِشَيْء. فحدثنا يَعْقُوب بْن الصَّائِغ قَالَ: لما وَجه الْمَأْمُون بِأبي إِسْحَاق المعتصم إِلَى مصر وَعقد لَهُ من بَاب الأنبار إِلَى أقْصَى الْمغرب قَالَ ليحيى بْن أَكْثَم: يَنْبَغِي أَن ترتاد لي رجلا حصيفًا لبيبًا لَهُ علم وَأَمَانَة وثقة أنفذه مَعَ أَبِي إِسْحَاق، وأوليه الْمَظَالِم فِي أَعماله، وأتقدم إِلَيْهِ سرا بمكاتبتي سرا بأخباره وَمَا تجْرِي عَلَيْهِ أُمُوره، وَبِمَا يظْهر ويبطن، وَمَا يرى من أَمر قواده وخاصته، وَكَيف تَدْبيره فِي الْأَمْوَال وَغَيرهَا، فَإِنِّي لست أَثِق بأحدٍ مِمَّن يتَوَلَّى الْبَرِيد، وَمَا أحب أَن أجشمه بتقليد صَاحب الْبَرِيد عَلَيْهِ فَيكون معتمدي عَلَيْهِ وَتَكون كتبه سَرِيَّة إِلَيْك لتقرئني إِيَّاهَا إِذا وَردت، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عِنْدِي رجل من أَصْحَابِي أَثِق بعقله وَدينه ورأيه وأمانته وَصدقه ونزاهته. فَقَالَ: جئني بِهِ فِي يَوْم كَذَا وَكَذَا، فَصَارَ يحيى بْن أَكْثَم بأَحْمَد بْن أبي دوادٍ إِلَى الْمَأْمُون فِي الْيَوْم الَّذِي حَده لَهُ.
فَكَلمهُ الْمَأْمُون فَوَجَدَهُ فهما راحجاً، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أُرِيد إنفاذك مَعَ أخي أَبِي إِسْحَاق، وَأُرِيد أَن تكْتب بأخباره سرا، وتتفقد أَحْوَاله ومجاري أُمُوره وتدبيراته وَخبر خاصته وخلواته، وتنفذ كتبك بذلك إِلَى يحيى بْن أَكْثَم مَعَ ثقاتك وَمن تأمنه على دمك، فَإِنِّي أشهر أَمرك بتقليد الْمَظَالِم فِي عسكره، وأتقدم إِلَيْهِ بمشورتك والأنس بك. فَقَالَ لَهُ أَحْمَد: أبلغ لَك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي ذَلِك فَوق مَا قدرته عِنْدِي وَبِي، وأنتهي إِلَى مَا يُرْضِي أَمِير الْمُؤمنِينَ ويزلف عِنْده. فَجمع الْمَأْمُون بَين أَحْمَد بْن أبي دوادٍ وَبَين المعتصم وَقَالَ لَهُ: إِنَّك تشخص فِي هَذَا الْعَسْكَر وَفِيه أوباش النَّاس وجند وعجم وأخلاط من الرّعية، وَلَا بُد لعسكرك من صَاحب مظالم يكون فِيهِ لينْظر فِي أُمُور النَّاس، وَقد اخْتَرْت لَك هَذَا الرجل فضمه إِلَيْك وَأحسن صحبته وعشرته؛ فَأَخذه المعتصم مَعَه، فَلَمَّا بلغُوا الأنبار وافت كتب أَصْحَاب الْبَرِيد بموافاة المعتصم الأنبار، فَقَالَ الْمَأْمُون ليحيى: ترى مَا كَانَ من بَغْدَاد إِلَى الأنبار خبر يكْتب بِهِ صَاحبك إِلَيْك؟ قَالَ فَقَالَ يحيى: لَعَلَّه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لم يحدث خبر تحسن الْمُكَاتبَة بِهِ؛ وَكتب يحيى إِلَى أَحْمد يعنفه ويستبطئه ويخبره أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد أنكر تَأَخّر كِتَابه. فَلَمَّا ورد الْكتاب على أَحْمَد ووقف على مَا فِيهِ احتفظ بِهِ وَلم يجب عَنْهُ؛ وشخص المعتصم حَتَّى وافي الرحبة وَلم يكْتب أَحْمَد بِحرف واحدٍ من أَخْبَار المعتصم الَّتِي تقدم إِلَيْهِ فِيهَا. وَكتب أَصْحَاب الْبَرِيد بموافاة المعتصم الرحبة وأخبار عسكره، فَدَعَا الْمَأْمُون يحيى بْن أَكْثَم فَقَالَ: يَا أسخن الله عَيْنك، عجبت أَن تخْتَار إِلَّا من