فَهُوَ يستحيي مِنْهُ أَن يرَاهُ، قَالَ: يَا سُبْحَانَ الله! إِن بَعْضكُم ليغضب على وَلَده أَو على قراباته، فَإِذا تَابَ وَرجع إِلَى مَا يحب أحبه، وَإِن صَاحبكُم قَدْ تَابَ وَرجع إِلَى مَا أُحِب فَأَنا أحبُّه، فأْتُوه فأخْبِرُوه، واعْبُدُوا اللَّه عَلَى شَاطِئِي. فأخبروه فجَاء مَعَهم فأقاموا يعْبدُونَ اللَّه زَمَانا، ثُمّ إِن صَاحب الْفَاحِشَة توفّي، فناداهم النَّهر: يَا أَيهَا الْعُبَّاد وَالْعَبِيد الزُّهاد! غَسِّلُوه من مائي وادْفُنُوه عَلَى شاطئي حَتَّى يبْعَث يوْم الْقِيَامَة من قُرْبِي، فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ، وَقَالُوا: نبيتُ ليلتنا هَذِهِ عَلَى قَبره نبْكي، فَإِذا أَصْبَحْنَا سِرنا، فَبَاتُوا عَلَى قَبره يَبْكُونَ، فَلَمَّا جَاءَ وَجْهُ السَّحَر غَشِيَهُم النُّعَاسُ، فأصْبحوا وَقَدْ أنبت اللَّه عَلَى قَبره اثْنَتَيْ عشرَة سروة، فَكَانَ أول سروٍ أنْبَتَهُ الله تَعَالَى عَلَى وَجه الأَرْض، فَقَالُوا: مَا أنبت هَذَا الشّجر فِي هَذَا الْمَكَان إِلا وَقَدْ أحبّ عبادتَنَا فِيهِ، فأقاموا يعْبدُونَ اللَّه عَلَى قَبره، كلما مَاتَ مِنْهُم رجلٌ دفنوه إِلَى جَانِبه حَتَّى مَاتُوا بأجمعهم، قَالَ كَعْب: فَكَانَت بَنو إِسْرَائِيل يحجون إِلَى قُبُورهم.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْقَاسِم الأنبَاريّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن أَبِي يَعْقُوب الدِّينَوَرِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الْفِرْيَابِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الْملك بْن عُمَير، قَالَ: شهدتُ زيادَ بْن أَبِي سُفْيَان وَقَدْ صعد الْمِنْبَر فسَلَّم تَسْلِيمًا خَفِيًّا، وانْحرف انحرافًا بطيًّا، وخطب خطْبَة بُتَيْرا، قَالَ ابْن الْفرْيَابِيّ: والبتيرا: الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ، ثُمّ قَالَ: إِن أَمِير الْمُؤْمِنِين قَدْ قَالَ مَا سَمِعْتُمْ، وَشهِدت الشُّهُود بِمَا قَدْ علمْتُم، وَإِنَّمَا كنتُ امْرأً حفظ اللَّه مني مَا ضيع النّاس، وَوصل مني مَا قطعُوا، أَلا إِنَّا قَدْ سُسْنا وساسنا السائِسُون، وجَرَّبْنا وجَرَّبَنَا المجرِّبُون، ووُلِّينا ووَلِيَ علينا الوالون، وَإِنَّا وجدنَا هَذَا الْأَمر لَا يصلحه إِلا شدةٌ فِي غَيْر عُنْف، ولينٌ فِي غَيْر ضَعف، وأيم اللَّه إِن لي فِيكُم صَرْعَى، فليحذر كُلّ رَجُل مِنْكُم أَن يَكُون من صَرْعاي، فواللَّهِ لآخُذَنَّ البريء بالقسيم، والمطيع بالعاصي، والمقبل بالمدبر، حَتَّى تلين لي قناتكم، وَحَتَّى يَقُولُ الْقَائِل: " انْجُ سَعْد، فقد قُتِل سُعَيْد "، أَلا رُب فرحٍ بإمارتي لن تَنْفَعَه، ورُبَّ كارهٍ لَهَا لن تضره، وَقد كَانَت بيني وبَيْنَ أَقوام مِنْكُم إحَنٌ وأحْقَاد، وَقَدْ جعلتُ ذَلِكَ خلف ظَهْري وَتَحْت قدمي، وَلَو بَلغنِي عَنْ أحدكُم أَن الْبُغْضَ لي قَتَلَهُ مَا كَشفْتُ لَهُ قِناعًا، وَلا هَتكتُ لَهُ سِتْرًا، حَتَّى يُبْدِيَ لي صفْحَته، فَإِذا أبداها لَمْ أُقِلْه عَثْرته، أَلا وَلا كذبةَ أكثرُ شاهدٍ عَلَيْهَا من كَذِبَةِ إِمَام عَلَى مِنْبر، فَإِذا سمعتموها مني فاغتمزوها فِي، وَإِذَا وعدتكم خيرا أَوْ شرا فَلم أفِ بِهِ فَلَا طَاعَة لي فِي رِقَابكُمْ، أَلا وَأَيّمَا رَجُل مِنْكُم كَانَ مكتبه خُرَاسَان فأجَلُه سنَتَان ثمَّ هُوَ أَمِير نَفسه أَلا وَأَيّمَا رجلٍ مِنْكُم كَانَ مكتبه دون خُرَاسَان فَأَجله سِتَّةُ أشهر ثُمّ هُوَ أَمِير نَفسه، وأيُّما امرأةٍ احْتَاجَت فإننا نعطيها عطاءَ زَوجهَا ثُمّ نُقَاصُّهُ بِهِ، وَأَيّمَا عقال فَقَدْتُمُوه من مُقامِي هَذَا إِلَى خُرَاسَان فَأَنا لَهُ ضامنٌ، فَقَامَ إِلَيْهِ