أرى النّاسَ قَدْ قَلُّوا عَلَى موائدي فَمَا بالهم؟ فَقَالَ لَهُ رَجُل من عُرْض النّاس: أصلح اللَّه الْأَمِير، إِنَّك أكثرت خير الْبيُوت فَقل غشيان النّاس لطعامك، فَقَالَ: الْحَمد للَّه وَبَارك اللَّه عَلَيْك، من أَنْت؟ قَالَ: أَنا الصَّلْت بْن قَرَان الْعَبْدِيّ، فَأحْسن إِلَيْهِ.
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ الْعَبَّاسِ الْعَسْكَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي سَعْد، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّد بْن مُوسَى بْن حَمْزَة، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمد بْن مُوسَى بْن حَمْزَة، قَالَ: الْفضل بن يزِيغ، قَالَ: رَأَيْتُ مَرْوَان بْن أَبِي حَفْصَة قَدْ دخل عَلَى الْمهْدي بعد موت مَعْن بْن زَائِدَة فِي جماعةٍ من الشُّعَرَاء وَفِيهِمْ سَلْمُ الخَاسِرُ وغيرهُ، فأنشده مديحًا، فَقَالَ: من؟ قَالَ: شاعرُك مَرْوَان بْن أَبِي حَفْصَة، فَقَالَ لَهُ الْمهْدي: أَلَسْت الْقَائِل:
أَقَمْنَا باليمامةِ بعد معنٍ ... مُقَامًا لَا نُرِيدُ بِهِ زِيَالا
وَقُلْنَا أَيْنَ نرحلُ بعد معنٍ ... وَقَدْ ذهب النوالُ فَلَا نَوَالا
قَدْ جِئْت تطلبُ نوالنا وَقَدْ ذهب النَّوال، لَا شَيْء لَك عندنَا، جُرُّوا بِرجلِهِ. قَالَ: فجروا بِرجلِهِ حَتَّى أخرج، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَام الْمقبل تلطَّف حَتَّى دخل مَعَ الشُّعَرَاء - وَإِنَّمَا كَانَت الشُّعَرَاء تدخل عَلَى الْخُلَفَاء فِي ذَلِكَ الْحِين فِي كُلّ عَام مرّة - قَالَ: فَمثل بَيْنَ يَدَيْهِ وأنشدهُ قصيدته الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:
طرقَتْكَ زائرةٌ فَحيِّ خيالَها ... بيضاءُ تخلطُ بِالْحَيَاءِ دلالَها
قَادَتْ فؤادَكَ فاستقاد وقَبْلَها ... قاد القلوبَ إِلَى الصِّبَا فأمالها
قَالَ: فأنصت لَهَا حَتَّى إِذا بلغ إِلَى قَوْله:
هَلْ تَطْمِسُون من السَّماء نجومَها ... بأكُفكم أَوْ تسترُون هِلالها
أَوْ تدفعُون مقَالَة عَنْ ربكُم ... جِبْرِيل بَلَّغها النَّبِيّ فقالَها
شهِدَتْ من الْأَنْفَال آخر آيةٍ ... بتُراثهم فأردتُمُ إبطالَها
يَعْنِي بني عَليّ وَبني الْعَبَّاس، قَالَ: فرأيتُ الْمهْدي وَقَدْ زحف من صدر مُصَلاه حَتَّى صَار عَلَى الْبسَاط إعجابًا بِمَا سَمِع، ثُمّ قَالَ لَهُ: فَإِنَّهَا لأوّل مائَة ألف أُعْطِيها شَاعِر فِي خلَافَة بْني الْعَبَّاس.
قَالَ: فَلم تلبث الأيامُ أَن أفْضَت الْخلَافَة إِلَى هَارُون الرشيد، قَالَ: فرأيتُ مَرْوَان بْن أَبِي حَفْصَة ماثلا مَعَ الشُّعَرَاء، بَيْنَ يَدي الرشيد وَقَدْ أنْشدهُ شعرًا، فَقَالَ لَهُ: مَنْ؟ قَالَ: شاعرك مَرْوَان بْن أَبِي حَفْصَة، فَقَالَ لَهُ: أَلَسْت الْقَائِل الْبَيْتَيْنِ اللَّذين لَهُ فِي معن اللَّذين أنشدهما الْمهْدي: خُذُوا بِيَدِهِ فأخرجوه، فَإنَّهُ لَا شَيْء لَهُ عندنَا، فَأخْرج.
فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِكَ بيومين تَلَطَّف حَتَّى دخل عَلَيْه فأنشده قصيدته الَّتِي يَقُولُ فِيهَا: