الْمُشْركين قَالُوا: هُوَ سحر، وَقيل: إِنَّهُم عَضَوْه بِأَن آمنُوا بِبَعْضِه وَكَفرُوا بِبَعْضِه، وَقيل، بل اقتسموه بَينهم استهزاء فَقَالُوا: لفُلَان هَذِهِ السُّورَة وَلفُلَان هَذِهِ السُّورَة، فعضوه كَمَا تعضى الشَّاة وكما تجزأ أَعْضَاء الْجَزُور فتقسم وتوزّع بَيْنَ مقتسميها وَهَذَا فِيمَا يتَضَمَّن عَنْهُ بِمَشِيئَة اللَّه وعونه كتَابنَا الْمُسَمّى الْبَيَان الموجز عَنْ عُلُوم الْقُرْآن المعجز ونأتي عَلَى مَا جَاءَ فِيهِ عَنْ أَهْلَ الْعلم، وَأَصْحَاب التَّأْوِيل والمفسرين، وَعَن أَصْحَاب الْمعَانِي النَّحْوِيين، وَمن العضه السحر، مَا أنشدنيه عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر الأَزْدِيّ، قَالَ: أنشدنا أَحْمَد بْن يحيى:
أعُوذُ بِرَبِّي من النافثا ... فِي عُقَد العَاضِهِ الْمُعْضِهِ
وَقَالَ: يَعْنِي بهما السَّاحر، وَقَالَ أَبُو مُوسَى الحَامض: المعضه الَّذِي يَأْتِي بِالْأَمر الْعَظِيم ثُمَّ يَبْهَت - فَقَالَ جرير: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ دخلتُ فاشْرأب النّاس نحوي، وَدخل قومٌ بعدِي فَلم يشرئب النّاس إِلَيْهِم، فقدرت أَن ذَلِكَ لذكر جميلٍ ذَكرنِي بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَقَالَ عَبْد الْملك: لمّا ذُكِرْت لي قُلتُ: لَا حيّاهُ اللَّه القاذفُ للمحصنات العاضهُ لأعراض النّاس، فَقَالَ جرير: وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا هجوتُ أحدا حَتَّى أجزه عِرضي سَنَةً، فَإِن أمسك أَمْسَكت، وَإِن أَقَامَ استعنتُ عَلَيْهِ وهجوتُه، فَقَالَ لَهُ: هَذَا صديقك أَبُو مَالك سَلِّم عَلَيْهِ - يَعْنِي الأخطل - فاعتنقه وَقَالَ: وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا هجاني أحدٌ كَانَ هجاؤُه عليّ أشدَّ من هجائه، إِلَّا أَنِّي كنتُ أَظن أنَّه يُرْشى عَلَى هجائي، فَقَالَ لَهُ الأخطل: كذبتَ وأُتُنِ أمِّك، قَالَ لَهُ جرير: صدقتُ وَخَنَازِير أمك، فَقَالَ عَبْد الْملك: أحضروا جَامِعَة فأحضرت وغمز الْوَلِيد الْغُلَام أَن ناجز بهَا، فَقَالَ عَبْد الْملك للأخطل: أنْشِدْ، فَأَنْشد:
تأبّد الربُع من سلمى بأجْفار ... وأقْفرتْ من سُلَيمي دِمْنَةَ الدَّارِ
حَتَّى خَتمهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْد الْملك: قضينا لَك أنَّك أشعر من مضى وَمن بَقِي. واستأذنت قيس عَبْد الْملك فِي أَن ينشد جريرٌ فَأبى، وَلم يزل جرير مُقيما دهرًا يلْتَمس إنشاد عَبْد الْملك وَقيس تشفع لَهُ، وَعبد الْملك يَأْبَى إِلَى أَن أذن لَهُ يَوْمَا، فأنشده:
أتصحُو بل فؤادُك غَيْر صَاح ... عَشِيَّة هَمَّ صَحْبُك بالرواح
فَقَالَ عبد الْملك: بل فُؤَادك يَا بن اللخناء - قَالَ أَبُو بَكْر: اللخناء: المنتنة الرّيح، فَلَمّا انْتهى إِلَى قَوْله:
تَعَزَّتْ أم حَزْرَة ثُمَّ قَالَتْ ... رَأَيْتُ الْمُوردين ذَوي اللقاحِ
تُعَلِّلُ وَهِي سَاغِبةٌ بَنِيها ... بِأَنْفَاسِ من الشبم القراح
قَالَ أبوبكر: الشبم: الْبَارِد، والقراح: المَاء الَّذِي لَيْسَ مَعَه لبن، والساغبة الجائعة، قَالَ القَاضِي: وَمن دُعَاء الْعَرَب: حلبتَ قَاعِدا وشربتَ بَارِدًا، يُرِيدُونَ كنت ذَا غنم تحلبها وَأَنت قَاعد وَلَا إبل لَك تحلبها قَائِما، وشربت بَارِدًا أَي مَاء مَحْضا، قَالَ عبد الْملك: لَا