لا تحب إسماع من كان كذلك، فله الخيرة ولا جناح عليه في ترك الإسماع، لا سيما لتلاميذ لم يَتَأَهَّلُوا بَعْدُ للنظر والوقوف على التحقيق، فمثلهم إنما يكون مُقَلِّدًا لاَ مُجْتَهِدًا، وأما حفاظ شيوخ، ذَوُو علم ورسوخ، أوتوا من العلم والفضل ما أَهَّلَهُمْ للتحمل عنهم، والاستفادة من علمهم، بحيث طارت شهرتهم، وتفوقوا على غيرهم، فلا دخل لكلام زَائِدَةَ فيهم، ولا يشملهم مشربه، وهكذا نحن نقول: لا ينبغي لأستاذ أن يشرح صدره لتلاميذ أغرار، انتحلوا غير ما يراه الحق بدون نظر أو فكر، بل تقليدًا أو اتباعًا لكل ناعق.
وأما من بلغ مرتبة الرسوخ والإفادة، وكان على جانب عظيم من العلم، وانتحل ما انتحل عن اجتهاد ونظر، فلا يرتاب أحد في العناية بالأخذ عنه، والتلقي منه، كما فعل الأئمة أمثال البخاري، وأشياخه، فكلام زَائِدَةَ مِنْ وَادٍ، وما نقوله من وَادٍ آخر. وهكذا يقال فيمن حكى عنهم من المرجئة من أهل بلخ، وأما قوله: ولقد رأينا غير واحد من أهل العلم يستتيبون أهل الخلاف، وإلاَّ أخرجوهم من مجالسهم، فهو يعني به من ذكرناه من التلاميذ لقوله:
«وَإِلاَّ أَخْرَجُوهُمْ»، وهل يخرج إلاَّ المتعلم الضعيف في العلم والفهم، المتطفل على ما ليس له بأهل؟ وشتان بين من يخرج من مجلس الحديث من أهل الخلاف وبين من يرحل إليه وَيَتَحَمَّلُ عنه منهم - كرجال