قال الشيخ أبو زهرة: وننتهي من هذا إلى أمرين:
أولهما: أن أحمد -رضي اللَّه عنه- لا ينفي وجود الإجماع نفيا مطلقا في كل مسائل العلم، بل ينفيه في الدعاوي التي كان يدعيها بعض العلماء في جيله. كما نفاه أبو يوسف في دعوى الأوزاعي أن رأيه عليه عامة أهل العلم، وكما كان ينفيه الشافعي في وجه من يناظره، ولا يحتج بالإجماع ليرد الحديث الصحيح.
ثانيهما: أن أحمد -رضي اللَّه عنه- كان يقرر أن هناك مسائل لا يعلم فيها مخالفًا وأن مثل هذِه المسائل يأخذ بها إذا لم يجد حديثًا في موضعها، بل يقول إنه لا يعلم مخالفًا، وذلك ورع في الدين (?).
للنصوص -أي الكتاب والسنة- عند الإمام أحمد رحمه اللَّه المكانة الأولى في الاستدلال، وقد اشتهر بوقوفه عندها، وطلبه لها حتى اجتمع له من النصوص ما لم يجتمع لغيره، فكان إذا تكلم، تكلم بها، وإذا أفتى أفتى بموجبها. ويمسك عن الفتوى ما لم تكن موافقة للكتاب والسنة.
قال ابن هانئ: قيل لأبي عبد اللَّه: يكون الرجل في قومه، فيسأل عن الشيء فيه اختلاف؛ قال: يفتي بما يوافق الكتاب والسنة، وما لم يوافق الكتاب والسنة أمسك عنه.
قال ابن القيم: فإذا وجد النص -يعني الإمام- أفتى بموجبه ولم يلتفت إلى ما خالفه ولا من خالفه كائنا من كان، ولهذا لم يلتفت إلى خلاف عمر في المبتوتة؛ لحديث فاطمة بنت قيس، ولا إلى خلافة في التيمم؛