ولما كتب عنه الميموني مسائل، قال له الإمام أحمد: لولا الحياء منك ما تركتك تكتبها، وإنه عليَّ لشديد، والحديثُ أحبُّ إليَّ منها، قلتُ: إنما تطيب نفسي في الحمل عنك، إنك تعلم أنه منذ مضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد لزم أصحابه قوم، ثم لم يزل يكون للرجل أصحاب يلزمونه، ويكتبون، قال: مَنْ كتب؟ قلتُ: أبو هريرة، قال: وكان عبد اللَّه بن عمرو يكتب، ولم أكتب، فحفظ وضيعت. فقال لي: فهذا الحديث، فقلتُ له: فما المسائل إلا الحديث، ومن الحديث تُشْتق.
غير أن هذا لم يكن موقف الإمام أحمد الذي استمر عليه فَقد روى الخطيبُ البغدادي أنَّ إسحاقَ بن مَنصور بَلغه أن أحمدَ بن حنبلٍ رَجع عن بعضِ تلك المسائلِ التي علقها عنه، قال: فجمعَ إسحاقُ بن منصور تلكَ المسائلَ في جرابٍ وحَملها على ظهره وخرج راجلًا إلى بغداد، وهي على ظَهره، وعرضَ خطوطَ أحمدَ عليه في كل مسألةٍ استفتاهُ فيها فأقرَّ له بها ثانيًا، وأُعجب بذلك أحمدُ من شأنه.
نستطيع القول أنَّ مَذهبَ الإمام أحمد مُودعٌ في مروياته في الحديث والفَتَاوى والأَجْوبة، ومِنْ هنا تأتي أهميةُ كُتُبِ المسائل بالنِّسبة لمذهب الإمام أحمد، فهي التي اعتمد عليها أصحابُ التصانيف في فِقْهِ الإمام.
وكما الحال في مذاهب الأئمة فقد جاء من أتباع مذهب الإمام أحمد من يعتني بجمع مسائل وأقوال الإمام، وأبرز هؤلاء أحمد بن محمد بن هارون، أبو بكر الشهير بالخلال (234 - 311)، الذي رحل إلى فارس والشام والجزيرة يطلب فقه الإمام أحمد وفتاويه وأجوبته، ولم يقتصر على الرواة الكبار للمسائل، بل تتبع الرواة على اختلافهم في الكثرة والقلة،