وإنَّ المَذهب الحنْبلي واحدٌ من المَذاهب الأربعة التي كَتَبَ اللَّه لها القبولَ في الأرضِ، وقد كانَ على رأسِ هذا المذهب إمام جليل، جاهَد في اللَّه حقَّ جهاده، فهو جبلٌ راسخ لم تزعزعه الأهواء، عن الدنيا ما كان أَصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان أَبصره، أتت له الدنيا فأَباها، والبدَعُ فنفاها، واخْتَصَّهُ اللَّهُ سبحانه بنصرةِ دينه، والقيام بحفظِ سُنته، ورضيه لإقامة حجته ونصرة كلامه حين عجز عنه الناس.
وكانَ شديدَ الحياءِ، كريمَ الأخلاقِ، يُعجبُهُ السخاءُ.
وفيه قالَ الإمامُ الشافعيُّ: أحمدُ إمام في ثمانِ خصال: إمامٌ في الحديث، إمامٌ في الفِقهِ، إمامٌ في اللغةِ، إمامٌ في القُرآنِ، إمامٌ في الفَقْرِ، إمامٌ في الزُّهدِ، إمامٌ في الوَرَعِ، إمامٌ في السُّنَّة.
لقد اسْتَحق هذا الإمام أنْ تُولى علومُه بالعنايةِ والاهتمامِ، ونشرِها بين الأنامِ، وقد قامَ بذلكَ العديدُ مِنْ أَهْلِ العلْمِ وأصحابِ المُصنفاتِ، قديمًا وحديثًا، وقد أردْنا أنْ نَلْحَقَ بهؤلاء، لعلَّ اللَّه يجعلُ لنا هذا مِنَ العلمِ الذي يُنتَفعُ به، فيكتب لنا أجرَهُ إلى يومِ نلقاه، نسأله ذلك وهو القادرُ عليه.
وقد عزمنا في ذلك أنْ نقومَ بخدمةِ المذاهبِ الأربعةِ والفقهِ الإسلامي بأعمالٍ مميزةٍ وخدماتٍ جليلة، مراعين في ذلك حاجَةَ طالبِ العلمِ والباحثين والعلماء، وهو مقصد تَفْنى فيه الأعْمار، ويُضحَّى فيه بالغالى والنفيس، وتُجاهد فيه الأنفس؛ طلبًا لحُسن المقصد.
وهذا الكتابُ هو أول السِّلسلة التي وَسَمْناها بـ "مدونة الحنابلة"، وسيليه بعونِ اللَّه مجموعةٌ مِنَ الأعمالِ التي تخدم المذهب الحنبلي، مما سيقر أَعْين أهلِ العِلْمِ وطُلَّاب الحق.