ثم ندب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الطاعة كلها جملةً وأفرد الصَّلاة بالذكر من بين الطاعة كلها، والصلاة هي من الطاعة، فقال عَزَّ وَجَلَّ: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} ففي تلاوة الكتاب فعل جميع الطاعة، واجتناب جميع المعصية. فخصَّ الصَّلاة بالذِّكر، فقال: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} وإلى الصَّلاة خاصَّة ندبه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فقال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} فأمره أن يأمر أهله بالصَّلاة ويصطبر عليها. ثمَّ أمر اللَّه تعالى جميع المؤمنين بالاستعانة على طاعته كلها بالصبر، ثمَّ خصَّ الصَّلاة بالذكر من بين الطاعة كلها فقرنها مع الصبر بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)} فكذلك أمر اللَّه تعالى بني إسرائيل بالاستعانة بالصبر والصلاة على جميع الطاعة، ثم أفرد الصَّلاة من بين الطاعة. فقال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)}.
ومثل ذلك ما أخبر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ به من حكمه ووصيته خليله إبراهيم ولوطًا وإسحاق ويعقوب، فقال: {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)} -إلى قوله: - {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا} إلى قوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} -إلى قوله: - {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ} فذكر الخيرات كلها جملةً، وهي جميع الطاعات واجتناب جميع المعصية.
وأفرد الصلاة بالذكر، وأوصاهم بها خاصة، ومثل ذلك: ما أخبر عن إسماعيل في قوله: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)} فبدأ بالصلاة، ومثل ذلك عن نجيِّه موسى عليه السلام في قوله: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)} إلى قوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} فأجمل الطاعة واجتناب المعصية في قوله لموسى: