محمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ الزَّرَنْدِيُّ قالَ: لَمّا أَشْكَلَ عَلَى مُسَدَّدِ بنِ مُسَرْهَد بن مُسَرْبَلٍ أَمْرُ الفِتْنَةِ، وَما وَقَعَ النّاسُ فيه من الاختلافِ في القَدَرِ، والرَّفْضِ، والاعتِزال، وخَلْقِ القُرآنِ، والإرْجاءِ، كَتَبَ إلى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: اكْتُبْ إِلَيَّ بِسُنَّة رَسُوْلِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: فَلَمّا وَرَدَ كِتابُهُ على أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ: بَكَى وقالَ: إِنّا للَّه وإِنّا إِلَيْهِ راجِعُوْنَ، يَزْعُمُ هذا البَصْرِيُّ، أَنَّه أَنْفَقَ على العِلْمِ مالًا عَظِيْمًا، وهو لا يَهْتَدِي إلى سُنَّةِ رسُوْلِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فَكَتَبَ إِلَيْه: بِسْم اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيْمِ، الحمْدُ للَّهِ الذي جَعَلَ في كلِّ زَمانٍ بَقايا من أَهْلِ العِلْمِ يَدْعُونَ من ضلَّ إلى الهُدى، ويَنْهَوْنَهُ عن الرَّدى، يُحْيُوْنَ بِكِتابِ اللَّهِ تَعالَى المَوْتَى، وبِسُنَّة رَسُوْلِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أَهْلَ الجَهالَةِ والرَّدى، فَكَمْ من قَتيْلٍ لإبْلِيْسَ قَدْ أَحْيَوْهُ! وكَمْ مِنْ ضالٍّ تائِهٍ قَدْ هَدَوْهُ! فَما أَحْسَنَ آثارَهُمْ عَلَى النّاسِ، يَنْفُوْنَ عن دينِ اللَّه تَحْرِيْفَ الغالِيْنَ، وانتِحالَ المُبْطِلِيْنَ، وتَأْوِيْلَ الضَّالِّين الذين عَقَدُوا أَلْوِيَةَ البِدَعِ، وأَطْلَقُوا عَنانِ الفِتْنَةِ، يَقُوْلُوْنَ على اللَّهِ، وفي اللَّه -تَعالَى اللَّه عَمّا يَقُولُ الظّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيْرًا- وفي كِتابِه بِغَيْرِ عَلْمٍ، فَنَعُوذُ باللَّه من كلّ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، وصلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ.
أَمّا بَعْدُ: وَفَّقنا اللَّهُ وإِيّاكُمْ لِما فِيْهِ طاعَتُهُ، وجَنَّبَنا وإيّاكُمْ ما فِيْهِ سَخَطُهُ، واسْتَعْمَلَنا وإيّاكُمْ عَمَلَ العارِفِيْنَ بِهِ، الخائِفِيْنَ مِنْهُ، إِنَّه المَسْئُولُ ذلِكَ. أُوصِيْكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوى اللَّه العَظِيْمِ، ولُزُوْمِ السُّنَّةِ. فَقَدْ عَلِمْتُمْ ما حَلَّ بِمَنْ خالَفَها، وَما جاءَ فيمن اتَّبَعَها، بَلَعَنا عنْ النَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّه قالَ: "إنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ العَبْدَ الجَنَّةَ بالسُّنَّةِ يَتَمَسَّكُ بِها" (?) فآمُرُكُم أَنْ لا تُؤْثِرُوا عَلَى القُرْآنِ شيْئًا؟ فَإِنَّه كَلامُ اللَّهِ، وما تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ فَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وَما