وكان أبو عبد اللَّه ربما أذن للناس فيدخلون أفواجًا أفواخا يسلمون عليه، فيرد عليهم بيده. فلما جاءت الرابطةُ مُنع الناس من ذلك وأغلق باب الزقاق، فكان الناس في الشوارع والمساجد، حتى تعطل بعض الباعة، وحيل بينهم وبين البيع والشراءِ، وكان الرجل إذا أراد أن يدخل عليه ربما أدخل من بعض الدور وطرر الحاكة، وربما تسلق، وجاء أصحاب الأخبار فقعدوا على الباب من قبل إبراهيم بن عطاء، وكان ابن عطاء يتعاهده بالغداة والعشي، وربما لم يجتمعا، وأصحاب الأخبار من قبل ابن طاهر يسألون عن خبره.
وقال أبو عبد اللَّه: جاءني حاجبُ ابن طاهر فقال: إن الأمير يقرئك السلام، وهو يشتهي أن يراك.
قال: فقلت له: هذا مما أكرهُ، وأميرُ المؤمنين قد أعفاني مما أكره.
وجاء حاجب ابن طاهر بالليل فسأل من يختلف إليه من المتطببين؟ وأصحاب الأخبار يكتبون بخبره إلى العسكر، والبُرُد تختلف كل يوم، وجاء بنو هاشم فدخلوا عليه، وجعلوا يبكون عليه، وجاء قوم من القضاة وغيرهم فلم يؤذن لهم، وجاء غلام لأبي يوسف عمه ليروحه فأشار إليه بيده ألا يفعل لأنه كان اشتراه من الشيء الذي يكره.
وقال: لا تبرح قد تغيرت. فقلت: لا أبرح.
فكان إذا أراد الشيء مما يتعالج أخرج خريقة فيها قطيعات فيعطيني منها فأشتري له، وكان قد كتب وصيته بالعسكر، وأشهدنا عليه، فبلغني أنه قال: اقرءُوها، فقرئت عليه، ثم أمر بكفارة يمين، فاشترينا له تمرًا فبقي عليه منه دانق ونصف أو أرجح، فلما جئت قال: ما صنعتم؟ قلت: أخذنا التمر، وقد بعثنا به، فأشار برأسه إلى السماء وجعل يحمد اللَّه.
وجاء عبد الوهاب، فلما استأذنوا له، قال أبو عبد اللَّه: عزَّ عليَّ بمجيئه