سلمت من دخولي على هذا الغلام، فكيف بمن يجب علي نصحه، من وقت تقع عيني عليه إلى أن أخرج من عنده؟
ثم قال: يا صالح، وجه بهذِه الثياب إلى بغداد تباع، ويتصدق بثمنها، ولا يشتري أحد منكم منها شيئًا.
قال صالح: فوجهت بها إلى يعقوب بن بختان، فباعها، وفرق ثمنها، وبقيت عندي القلنسوة. ثم أخبرناه أن الدار التي هو فيها كانت لإيتاخ.
فقال: اكتب رقعة إلى محمد بن الجراح ليُعفى لي من هذِه الدار. فكتبنا رقعة، فأمر المتوكل أن يُعفى منها، ووجه إلى قوم ليخرجوا من منازلهم، فسأل أن يعفى من ذلك، واكتريت له دار بمائتي درهم، فصار إليها. وأجرى لنا مائدة وثلج، وضرب الخيش فلما رأى الخيش والطبرى، نحى نفسه عن ذلك الموضع، وألقى نفسه على مضربة له، واشتكت عينه وبرئت. قال: ألا تعجب، كانت عيني تشتكي فمكثت حينا حتى تبرأ، ثم قد برئت في سرعة، وجعل يواصل، يفطر في كل ثلاث على تمر وسويق، فمكث بذلك خمس عشرة، يفطر في كل ثلاث، ثم جعل بعد ذلك يفطر ليلة وليلة، لا يفطر إلا على رغيف، وكان إذا جيء بالمائدة توضع في الدهليز لكي لا يراها، فيأكل من حضر، وكان إذا أجهده الحر بلَّ خرقة، فيضعها على صدره، وفي كل يوم يوجه المتوكل إليه بابن ماسَوَيْه، فينظر إليه، ويقول له: يا أبا عبد اللَّه، أنا أميل إليك وإلى أصحابك، وما بك علة إلا الضعف وقلة الدد (?)، إنا أمرنا عبادنا بأكل دهن الخل، فإنه يلين، وجعل يجيئه بالشيء ليشربه، فيصبه.
وقطع له يحيى: دراعة، وطيلسانًا سوادًا. وجعل يعقوب وغياث يصيران