قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن حرمك فاصبر، وإن وليت أمره فاصبر" (?)، وقال عبد اللَّه ابن مسعود كذا، وذكر أبو عبد اللَّه كلاما لم أحفظه.
قال حنبل: فمضى القوم، فكان من أمرهم أنهم لم يحمدوا، ولم ينالوا ما أرادوا، واختفوا من السلطان، وهربوا، وأخذ بعضهم فحبس، ومات في الحبس. فبينا نحن في أيام الواثق، في تلك الشدة، وما نزل بالناس منه إذ جاء يعقوب بن بحر، في جوف الليل برسالة إسحاق بن براهيم إلى أبي عبد اللَّه، فقال له: يقول لك الأمير إسحاق بن إبراهيم إن أمير المؤمنين قد ذكرك. فلا يجتمعن إليك، ولا يأتينك أحد، ولا تساكني بأرض ولا مدينة أنا فيها، فاذهب حيث شئت من أرض اللَّه.
فاختفى أبو عبد اللَّه بقية حياة الواثق وولايته، وكانت تلك النائبة وتلك الفتنة. وقتل أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي، فلم يزل أبو عبد اللَّه مختفيا، في غير منزله في القرب، يعني بمنزل أبي محمد فوران، ثم عاد منزله بعد أشهر أو سنة لما طفا خبره، فلم يزل مختفيًا في البيت لا يخرج إلى الصلاة ولا إلى غيرها، حتى هلك الواثق (?).
"ذكر المحنة" لحنبل ص 65 - 73