لومةَ لائمٍ، مع التزامِهم بالحدودِ الشرعية مع الجميع، مهما بَلَغَ منهم الأذى والقهر.
والمتأمل في أحوالِ الدعاة والمنظرين المُعاصرين، يجدهم بعيدين -إلا ما ندر- عن السعي لما ذكرنا من صفات العظماء المجددين؛ نعم قد يكون لغالبيتهم أهداف نبيلة، ونيات صحيحة، لكنهم أبعد ما يكون عما يحتاجه الإسلام والمسلمون، مِنْ همةٍ عالية تتجاوز حدود نفع أنفسهم وأسرهم وجماعتهم، إلى نفعِ الأمةِ جمعاء.
ولا أقصد التقليل من عمل هؤلاء؛ فإنَّ تكاتفهم على هذه الأهداف، مع البعد عن التحزب الضيق للأفراد والحركات، من شأنه نفع جموع غفيرة من المسلمين، ورد الكثير من شبهات المغرضين، وإيقاظ الفطرة في الذين تنكبوا الصراط المستقيم، ومحاربة البدع والضلالات.
ولا أتحدث هنا عمَّن غايتهم جمع الأموال، وطلب الشهرة، وتحصيل النفوذ، ونيل الإعجاب والمدح والثناء، فهؤلاء لا علاقةَ لهم بموضوعِنا من الأصل، وهُمْ داءٌ يحتاج إلى دواءٍ.
إنَّ سيرةَ الإمامِ أحمد نموذجٌ من النماذجِ النادرة؛ بصبرِهِ على البلاء في سبيلِ إنقاذ السنة وصونها والدفاع عنها، فهُوَ جبلٌ راسخ لم تزعزعه الأهواء، ولم يغتر بمَنْ ظهروا أنَّهم كثرة علماءِ الإسلام، وأفتوا بالباطل، أو بمن ترخصوا طلبًا للنجاة، ولم يؤثر فيه التهديد والوعيد، ولا الضرب والأذى الشديد، ولم يضعف أمام المغريات مِنْ أموالٍ وقرب مِنَ السلطان، وهو العالمُ الرباني الذي أجْمَعَ علماءُ الأمةِ -إلا مَنْ لا يُعبأَ بهم- على أنَّه القدوة التي تأطر النَّاس إلى العروة الوثقى لا انْفِصامَ لها؛ حتى قال غيرُ واحد من علماءِ الإسلام: "إذا رأيتَ الرجلَ يحبُّ أَحمد بن حنبل فاعلمْ أنه صاحبُ سُنَّة".