وطريق أهلِ التواضع لا أهلِ الكِبْر. لم يَمِلْ به حُبُّ الشهوات، ولا حُبِّبَ إليه من ثلاثِ الدنيا إلا الصلوات.
وما زال على هذا إلى أن صرعه أجلُه، وأتاهُ بشيرُ الجنة يستعجله، فانتقل إلى الله والظنُّ به أنَّه لا يُخجِلهُ.
ولما قَدمَ غازانُ دمشقَ خرج ابن تيمية ـ رضي الله عنه ـ إليه في جماعة من صلحائهم القدوة الشيخ محمد بن قوام، فلمَّا دخلوا على غازانَ وكان ممّا قاله ابن تيمية للترجمان: قُلْ للقانِ: أنت تزعُم أنك مسلم ومعك قاضٍ وإمامٌ وشيخ ومؤذن على ما بلغَنا، فغَروتَنا، وأبوكَ وجَدُّك هُولاكو كانا كافرينِ وما عَمِلاَ الذي عملتَ، عَاهَدا فَوَفّيا، وأنتَ عاهدتَ فغدرتَ، وقُلتَ فما وفيتَ. وجرتْ له مع غازان وقطلوشاه ومولاي أمورٌ ونُوبٌ، قام فيها كلها لله، ولم يخشَ إلاّ اللهَ.
أخبرنا قاضي القضاةِ أبو العباس ابن [صصري] أنهم لمَّا حضروا مجلسَ غازان قُدِّمَ لهم طعامٌ فأكلوا منه إلا ابنَ تيمية فقيل له: لِمَ لا تأكُلُ؟ قال: كيف آكلُ من طعامكم وكلُّه ممَّا نَهَبتُم من أغنامِ الناس، وطَبختُموه مما قطعتم من أشجار الناس. ثمَّ إن غازان طلبَ منه الدعاءَ، فقال: اللهمّ إن كنتَ تَعلمُ أْنه إنما يقاتل لتكون كلمةُ اللهِ هي العليا وجهادًا في سبيلك فان تؤيده وتنصره، وإن كان للملك والدنيا والتكاثر فان تفعل به وتصنع، يدعو عليه وغازان يؤمن على دعائه ونحن نجمع ثباتنا خوفًا أن يُقتل فيطرطش بدمه. ثم لما خرجنا قلنا له: كدتَ تهلكنا معك ونحن ما نصحبك من هنا، قال: ولا أنا أصحبكم، فانطلقنا عُصبةً، وتأخر في خاصة من معه، تسامعت الخوانين والأمراء فأتوه من كل فج عميق، وصاروا يتلاحقون به ليتبركوا برؤيته، فأما هو فما