هذا مع ماله من جهادٍ في الله لم يُفزٍعْه فيه طلل الوشيج، ولم يُجزِعْه ارتفاع النشيج، مواقفُ حروبٍ باشرَها، وطوائفُ ضروبٍ عاشرَها، وبَوارِقُ صِفاحٍ كاشَرَها، ومضايقُ رِماحٍ حاشَرَها، وأصناف خُصوم اقتحمً معها الغمراتِ، وواكلَها مختلفَ الثَّمرات، وقَطَع جِدالَها قوِيُّ لسانِه، وجِلاَدَها شَبَا سِنانِه، قامَ بها وصابرَها، وبُلِىَ بأصاغرِها وقاسَى أكابرَها، وأهلِ بِدَعٍ قامَ في دِفاعِها، وجَهدَ في حَطِّ يَفَاعِها، ومخالفةِ لِمَلٍ بَيَّنَ لها خطأَ التأويلِ، وسَقَمَ التَّعليلِ، وأسكَتَ طَنِينَ الذُّباب في خياشيم رؤوسهم بالأضاليل، حتى ناموا في مراقدِ الخضُوع وقاموا وأرجلُهم تَتساقَطُ للوقوع، بأدِلَّةٍ أقطعَ من السيوف، وأجمعَ من السُّجُوف، وأجلى من فَلَقِ الصَّباح، وأجلبَ من فِلَقِ الرّماحِ.

إلاّ أنَّ سابقَ المقدور أوقَعَه في خَلَلِ المَسَايِل، وخَطَأٍ خَطَل لا يأمَنُ فيه مع الإكثارِ قائِلٌ، وذلك على بعض سلفِ العلماء، وحَلِّه لقواعدَ كثيرةٍ من نواميس القدماء، وقِلَّةِ توقيرِه للكُبَراء، وكثرةِ تكفيره للفُقراء، وتزييفه لغالبِ الآراء، وتقريبه لجهَلَةِ العوامِّ وأهلِ المِراء، وما أفتَى به آخرًا في مسألتَي الزيارةِ والطلاق، وإذاعتِه لهما حتى تكلّم فيهما من لا دينَ له ولا خلاق، فسلّط ذُبالَ الأعداءِ على سَلِيطه، وأطلقَ أيديَ الاعتداءِ في تفريطِه، ولَقَّمَ نارَهم سَعَفَه، وأرَى أقساطهم سَرَفَه، فلم يَزَلْ إلى أن ماتَ عِرْضُه منهوبًا، وعَرْضُه مَوْهُوبًا، وصَفَاتُه تَتصدَّع، ورُفاتُه لا يتجمَّع، ولعلَّ هذا لخيرٍ أُريدَ به، وأُرِيغَ له لحُسنِ مُنقَلَبه.

هذا مع ما جَمعَ من الورع، وما حازَه بحذافيرِ الوجود من الجود، كانت تأتيه القَناطيرُ المقنطرةُ من الذهب والفضة والخيلِ المُسَوَّمةِ والأنعام والحرثِ، فيَهَبُه بأجمعِه، ويَضعُه عند أْهل الحاجةِ في موضعِه، لا يأخذَ منه شيئًا إلا ليهبَه، ولا يَحفظُه إلاّ ليُذْهِبَه كُلَّه في سبيل البرّ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015