فأقام مدة يفتي بلسانه، ويقول: لا يسعني كتم العلم.
وفي آخر الأمر: دبروا عليه الحيلة في مسألة المنع من السفر إِلى قبور الأنبياء والصالحين، وألزموه من ذلك التنقص بالأنبياء، وذلك كفر، وأفتى بذلك طائفة من أهل الأهواء، وهم ثمانية عشر نفسًا، رأسهم القاضي الأخنائِي المالكي وأفتى قضاة مصر الأربعة بحبسه، فحبس بقلعة دمشق سنتين وأشهرًا. وبها مات رحمه الله تعالى ورضي عنه.
وقد بيَّن رحمه الله: أَنَّ ما حكم عليه به باطل بوجوه كثيره جدًّا، وأفتى جماعة: أنه يخطئ كخطأ المجتهدين المغفور لهم، ووافقه جماعة من علماء بغداد. وكذلك ابنا أَبي الوليد المالكي شيخ المالكية بدمشق أفتيا: أّنَّه لا وجه للاعتراض عليه فيما قاله أصلاً، وأَنَّه نقل خلاف العلماء في المسألة، ورجَّح أحدَ القولين فيها.
وبقي مدة في القلعة يبث (?) العلم ويصنفه، ويرسل إِلى أصحابه الرسائل، ويذكر ما فتح الله به عليه هذه المرة من العلوم العظيمة، والأحوال الجسيمة.
وقال: قد فتح الله عليَّ في هذا الحصن في هذه المرة من معاني القرآن، ومن أصول العلم بأشياء، كَانَ من العلماء يتمنونها، وندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن، ثمَّ إِنَّه مُنِع من الكتابة، ولم يُترك عنده دواة ولا قلم ولا ورق، فأقبل على التلاوة والتهجد والمناجاة والذكر.
قال الذهبي في «تاريخه الكبير»: ولما كان معتقلاً في الإسكندرية،