ثم جلس عقب ذلك مكان والده بالجامع على منبره أيام الجُمع لتفسير القرآن الكريم، وشرع من أول القرآن، فكان يورد من حفظه في المجلس نحو كراسين أو أكثر، وبقي يفسِّر سورة نوح عِدة سنين أيام الجمع.
وفي سنة تسعين: ذكر يوم الجمعة شيئًا من الصفات؛ فقام بعض المخالفين، وسعوا في منعه من الجلوس، فلم يمكنهم ذلك.
وقال قاضي القضاة شهاب الدين الخويي: أنا على اعتقاد الشيخ تقي الدين، فعوتب على ذلك: لأن ذهنه صحيح، وموادّة كثيرة، فهو لا يقول إلا الصحيح.
قال الشيخ شرف الدين المقدسي: أنا أرجو بركتَه ودعاءه، وهو صاحبي، وأخي. ذكر البرازلي في «تاريخه».
قال الذهبي في «معجم شيوخه»: يقي الدين شيخنا وشيخ الإسلام فريد الزمان علمًا ومعرفة، وشجاعةً وذكاءً، وكرمًا ونصحًا للأمة، وأمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر، سمع الحديث وأكثر بنفسه في طلبه، وكتب ونظر في الرجال، والطبقات، وحصل مالم يحصِّله غيره. وفاقَ الناس في معرفة الفقه، واختلاف المذاهب، وفتاوى الصحابة والتابعين، بحيث إِنه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب، بل بما يقوم عنده دليله. وعرف أقوال المتكلمين، وردَّ عليهم، ونبَّه على خطأئهم، وحذَّر منهم، ونصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين. وأُوذي في ذات الله من المخالفين، وأُخيف في نصر السنة المحضة، حتى أعلا الله مناره، وجمع قلوب أهل التقوى على محبته والدعاء له، وكبت أعداءه، وهدى به رجالاً من أهل الملل والنحل، وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالبًا،