وأذن أَن يكون عنده من يخدمه. وكان جميع ذلك بإشارة نصر المنبجيّ.

واستمر الشَّيخ في الحبس يستفتى ويقصده الناس، ويزورونه، وتأتيه الفتاوي المشكلة من الأمراء وأعيان الناس.

وكان أصحابه يدخلون إِليه أولا سرًّا، ثمَّ شرعوا يتظاهرون بالدخول عليه، فأخرجوه في سلطنة الششنكير الملقب بالمظفر، إِلى الإِسكندرية على البريد، وحبس فيها في برج حسن مضئ متسع، يدخل عليه من شاء، ويمنع هو من شاء، ويخرج إِلى الحمام إِذا شاء. وكان قد أخرج وحده، وأرجف الأعداء بقتله وتفريقه غير مرة، فضاقت بذلك صدور محبيه بالشام وغيره، وكثر الدعاء له، وبقي في الإِسكندرية مدة سلطنة المظفر.

فلما عاد الملك الناصر إِلى السلطنة وتمكن، وأهلك المظفر، وحمل شيخه نصر المنبجي، واشتدت موجدة السلطان على القضاة لمداخلتهم المظفر، وعزل بعضهم: بادر بإحضار الشَّيخ إِلى القاهرة مكرمًا في شوال سنة تسع وسبعمائة، وأكرمه السلطان إكرامًا زائدًا، وقام إِليه، وتلقاه في مجلس حفل، فيه قضاة المصريين والشاميين، والفقهاء وأعيان الدولة. وزاد في إكرامه عليهم، وبقي يسُارّه ويستشيره سويعة، وأثنى عليه بحضورهم ثناء كثيرًا، وأصلح بينه وبينهم. ويقال: إِنَّه شاوره في أمرهم به في حق القضاة، فصرفه عن ذلك، وأثنى عليهم، وأن ابن مخلوف كَانَ يقول: ما رأينا أفتى من ابن تَيْمِيَّة، سعينا في دمه. فلما قدر علينا عفا عنا.

واجتمع بالسلطان مرة ثانية بعد أشهر، وسكن الشَّيخ بالقاهرة، والناس يترددون إِليه، والأمراء والجند، وطائفة من الفقهاء، ومنهم من يعتذر إِليه ويتنصل مما وقع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015