قلت: وقد سافر الشَّيخ مرة على البريد إِلى الديار المصرية يستنفر السلطان عند مجئ التتر سنة من السنين، وتلا عليهم آيات الجهاد، وقال: إِن تخليتم عن الشَّام ونصرة أهله والذَّب عنهم، فإِنَّ الله تعالى يقيم لهم وينصرهم غيركم، ويستبدل بكم سواكم. وتلا قوله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}، وقوله تعالى: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا}.

وبلغ ذلك الشَّيخ تقي الدين بن دقيق العيد - وكان هو القاضي حينئذ - فاستحسن ذلك، وأعجبه هذا الاستنباط، وتعجب من مواجهة الشَّيخ للسلطان بمثل هذا الكلام.

وأما مِحَنُ الشَّيخ: فكثيرة، وشرحها يطول جدًّا.

وقد اعتقله مرة بعض نواب السلطان بالشام قليلا، بسبب قيامه على نصراني سَبَّ الرسول صلى الله عليه وسلم، واعتقل معه الشَّيخ زين الدين الفارِقِيّ، ثمَّ أطلقهما مكرمين.

ولما صنف المسألة «الحموية» في الصفات: شنَّع بها جماعة، ونودي عليها في الأسواق على قصبة، وأن لا يستفتى، من جهة بعض القضاة الحنفية. ثمَّ انتصر للشيخ بعض الولاة، ولم يكن في البلد حينئذ نائب، وضُرب المنادي وبعض من معه، وسكن الأمر.

ثمَّ امتحن سنة خمس وسبعمائة بالسؤال عن معتقده بأمر السلطان، فجمع نائبه القضاةَ والعلماءَ بالقصر، وأحضر الشَّيخ وسأله عن ذلك؛ فبعث الشَّيخ من أحضر من داره «العقيدة الواسطية» فقرءُوها في ثلاثة مجالس، وحاقَقُوه، وبحثوا معه، ووقع الاتفاق بعد ذلك عل أَنّ هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015