إلهيًا، وكرمًا ونصحًا للأمة، وأمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر. سمع الحديث، وأكثر بنفسه من طلبه، وكتب وخرج، ونظر في الرجال والطبقات، وحصل مالم يحصله غيره. وبرع في تفسير القرآن، وغاص في دقيق معانيه بطبع سيال، وخاطر إِلى مواقع الإشكال ميال، واستنبط منه أشياء لم يُسبق إِليها. وبرع في الحديث وحفظه، فقلَّ من يحفظ ما يحفظه من الحديث، معزوًّا إِلى أصوله وصحابته، مع شدة استحضاره له وقت إقامة الدليل. وفاق الناس في معرفة الفقه، واختلاف المذاهب، وفتاوى الصَّحابة والتابعين، بحيث إِنَّه إِذا أفتى لم يلتزم بمذهب، بل بما يقوم دليله عنده. وأتقن العربية أصولاً وفروعًا، وتعليلاً واختلافًا. ونظر في العقليات، وعرف أقوال المتكلِّمين، وَردَّ عليهم، وَنَبَّه على خطئهم، وحذَّر منهم ونصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين. وأُوذي قي ذات الله من المخالفين، وأُخيف في نصر السنة المحضة، حتَّى أعلى الله مناره، وجمع قلوب أهل التقوى على محبته والدعاء له، وَكَبَتَ أعداءه، وهدى به رجالاً من أهل الملل والنحل، وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالبًا، وعلى طاعته، وأحيى به الشَّام، بل والإسلام، بعد أَن كَاد ينثلم، بتثبيت أولي الأمر لما أقبل حزب التتر والبغي في خيلائهم، فظُنت بالله الظنون، وزلزل المؤمنون، واشْرَأَبَّ النفاق وأبدى صفحته. ومحاسنه كثيرة، وهو أكبر من أَن ينبه على سيرته مثلي، فلو حلفت بين الركن والمقام، لحلفت: أَني ما رأيت بعيني مثله، وأَنَّه ما رأى مثل نفسه.

وقد قرأت بخط الشَّيخ العلامة شيخنا كمال الدين بن الزَّمْلَكاني، ما كتبه سنة بضع وتسعين تحت اسم «ابن تَيْمِيَّة» كَانَ إِذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع: أَنَّه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أَنَِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015