المصحف القديم، وجميع أئمة أصحاب الإمام أحمد وغيره أنكروا ذلك، وما علمتُ أنَّ عالمًا نقل ذلك إلا مابلغنا عن بعض الجهال من الأكراد ونحوهم.

وقد ميَّز الله - تعالى - في كتابه بين الكلام والمِداد، فقال: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)} [الكهف/ 109] فهذا خطأ من هذا الجانب، وكذلك من زعم أن القرآن محفوظ في الصدور، كما أن الله معلوم بالقلوب، وأنه مَتْلُوّ بالألسن، كما أن الله مذكور بالألسن، وأنه مكتوب في المصحف، كما أن الله مكتوب في المصحف، وجعل ثبوت القرآن في الصدور والألسنة والمصاحف مثل ثبوت ذات الله في هذه المواضع، فهذا أيضًا مخطئ في ذلك، فإن الفرق بين ثبوت الأعيان في المصحف وبين ثبوت الكلام فيها بيِّن واضح، فإن الأعيان لها أربع مراتب: مرتبة في الأعيان، ومرتبة في الأذهان، ومرتبة في اللسان، ومرتبة في البنان، فالعلم يطابق العين، واللفظ يطابق العلم، والخط يطابق اللفظ.

فإذا قيل: إن العين في الكتاب كما في قوله: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52)} [القمر/ 52] فقد عُلِم أن الذي في الزبر إنما هو الخط المطابق للعلم، فبين الأعيان وبين المصحف مرتبتان وهي اللفظ والخط، وأما الكلام نفسه فليس بينه وبين الصحيفة مرتبة غيرهما، بل نفس الكلام يجعل في الكتاب، وإن كان بين الحرف الملفوظ والحرف المكتوب فرق من وجهٍ (?) آخر إلا إذا أريدَ أن الذي في المصحف هو ذكره والخبر عنه، مثل قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015