المسألة الثانية: أن لفظ "الصبيان" في الحديث جمع معرف باللام، فيعم كل صبي صغيرًا كان أو كبيرًا.

وأما منع الصبيان من دخول المساجد بحجة التشويش على المصلين بما يحدث منهم من بكاء أو صراخ أو لعب، فهذا مردود؛ لأن الصبي إن كان مميزًا أمكن تأديبه وتعليمه السلوك الطيب والأخلاق الحميدة، لا سيما في بيوت الله. فيتعلم الإنصات، وحسن الاستماع، والهدوء؛ لأن ما يسمع من هولاء المميزين من الألفاظ السيئة، والعبارات البذيئة، والحركات التي لا تناسب المسجد إنما هو بسبب إهمال الأولياء، وعدم العناية بهذه الناشئة.

ومن أسباب ذلك: ترك الصغار في الصف متجاورين فيحصل منهم اللعب والحركات التي تشوش على المصلين عمومًا وعلى من يجاورهم خصوصًا. أما إذا فرّق بينهم، أو صلى صبي بجانب وليه فإنه يزول هذا المحذور.

وهذا هو الواجب على الأولياء وجماعة المسجد الذين يكثر الصبيان فيهم، وإن تركوهم وشأنهم صاروا مصدر إزعاج. وقد يصعب علاج الأمر إن لم يتدارك من أوله. وهذا أمر مشاهد وملحوظ. وإن كان الصبي غير مميز فيمكن حمله في الصلاة، كما فعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو تلهيته بشيء من اللعب، كما ثبت في السنة (?). وإذا تقدم الصبيان -ولا سيما المميزون- إلى الصف الأول أو كانوا وراء الإمام فإنه لا ينبغي إبعادهم -على الراجح من قولي أهل العلم- لما يلي:

ما ورد في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه، وفي لفظ: (أن يقيم الرجل الرجل) (?)، فهذا نهي صريح في إقامة الرجل أخاه من مكانه ثم يجلس فيه، والصبي المميز داخل في هذا الحكم.

قال القرطبي: (نهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أن يقام الرجل من مجلسه إنما كان ذلك لأجل أن السابق لمجلس قد اختص به إلى أن يقوم باختياره عند فراغ غرضه، فكأنه قد ملك منفعة ما اختص به من ذلك، فلا يجوز أن يحال بينه وبين ما يملكه .. ) (?).

أن إبقاءهم في أماكنهم فيه ترغيب لهم في الصلاة، واعتياد المسجد. أما طردهم وإبعادهم -كما يفعله كثير من الناس (?) - فهذا فيه محاذير عديدة منها:

أن هذا مخالف لما كان عليه سلف الأمة، فإنه لو كان تأخير الصبيان أمرًا مشهورًا لاستمر العمل عليه، كتأخير النساء، ولنقل كما نقلت الأمور المشهورة نقلًا لا يحتمل الاختلاف (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015