يراد مع ذلك التجمل للوقوف بين يدي رب العالمين، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].
فهذه الآية دليل على وجوب ستر العورة بلبس الثياب عند كل صلاة. والثياب من نعم الله على عباده؛ لما فيها من ستر العورات، وهي -أيضًا- زينة وجمال، ولا تكون كذلك إلا إذا كانت نظيفة.
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: (ولهذه الآية وما ورد في معناها من السنة يستحب التجمل عند الصلاة، ولا سيما يوم الجمعة ويوم العيد، والطيب؛ لأنه من الزينة، والسواك؛ لأنه من تمام ذلك) (?).
وقال ابن عبد البر: (إن أهل العلم يستحبون للواحد المطيق على الثياب أن يتجمل في صلاته ما استطاع من ثيابه وطيبه وسواكه) (?).
وفي الحديث الصحيح: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سئل عن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، فقال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس" (?).
قال الشوكاني: (الحديث يدل على أن محبة لبس الثوب الحسن والنعل الحسن وتخير اللباس الجميل ليس من الكبر في شيء، هذا مما لا خلاف فيه فيما أعلم .. ) (?).
ومن الناس من لا يهتم باللباس عند خروجه للصلاة، بل يصلي بثيابه التي عليه ولو كانت رثة أو لها رائحة كريهة، كقميص المهنة، ورداء العمل، ولا يكلف نفسه بتبديلها، فيؤذي المصلين بِدَرَنِها، ويُزْكِمُ أنوفهم بنتن ريحها، ويلوث فرش المسجد بوسخها، وهذا منهي عنه شرعًا؛ قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ .... } [الأعراف: 31].
مع أن هذا الإنسان لو أراد مقابلة شخص له جاه دنيوي، أو أراد الذهاب لمناسبة من المناسبات ما ذهب بهذه الثياب، بل يرتدي أجمل ما يملك، ويتطب بأحسن ما يجد، حتى لو لقي في المسجد من يكن له احترامًا تأسف على مظهره، وتمنى أنه لو لبس أحسن ثيابه، فكيف يهتم للوقوف أمام المخلوق ولا يهتم للوقوف أمام الخالق؟ إن هذا دليل على التساهل في شأن الصلاة، وعدم إدراك حقيقتها.
فحري بالمسلم أن يستشعر عظمة من يقف بين يديه، ويعرف أنه سيكون في بيت من بيوت الله تعالى، ولا ريب أن الوقوف أمام رب العالمين وزيارة بيته يستدعي حسن المنظر وبهاء الطلعة.
أضف إلى ذلك أن لقاء إخوانه المصلين والاجتماع بهم وإظهار المسجد بالمظهر المريح والرائحة الطيبة مما يؤكد جمال المظهر ونظافة الثياب، وذلك مما يعين على العبادة.
ومن الناس من لا يهتم بلباس صلاة العشاء الآخرة ولا صلاة الفجر بحجة أن هذه ثياب الليل، وقد يصلي بلباس النوم كالقميص المعروف، ولا يحمّل نفسه عناء تبديلها، وذلك خوفًا على الثياب الثمينة أن تتأثر طياتها ويتبدل صقلها، والناس لا يرون هذا اللباس في هاتين الصلاتين غالبًا، وكأن التجمل صار لهام.