آل محمد؛ كما صليت على إبراهيم ... الحديث.
وقد تعقبه جماعة من المتأخرين؛ بأنه ليس في الكيفيتين المذكورتين ما يدل على ثبوت الأفضلية فيهما من حيث النقل، وأما من حيث المعنى؛ فالأفضلية ظاهرة في الأول.
والمسألة مشهورة في كتب الفقه، والغرض منها أن كل من ذكر هذه المسألة من الفقهاء قاطبة؛ لم يقع في كلام أحد منهم: (سيدنا)، ولو كانت هذه الزيادة مندوبة؛ ما خفيت عليهم كلهم حتى أغفلوها، والخير كله في الاتباع، والله أعلم).
قلت: وما ذهب إليه الحافظ ابن حجر رحمه الله من عدم مشروعية تسويده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة عليه اتباعًا للأمر الكريم، وهو الذي عليه الحنفية؛ هو الذي ينبغي التمسك به؛ لأنه الدليل الصادق على حبه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {قل إن كنتم تحبوني فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران: 31].
ولذلك قال الإمام النووي في (الروضة) (1/ 265):
(وأكمل الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم صل على محمد ... ) إلخ وفق النوع الثالث المتقدم فلم يذكر فيه (السيادة).
الفائدة الرابعة: واعلم أن النوع الأول من صيغ الصلاة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وكذا النوع الرابع- هو ما علمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد استدل بذلك على أنها أفضل الكيفيات في الصلاة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه لا يختار لهم -ولا لنفسه- إلا الأشرف والأفضل، ومن ثم صوب النووي في (الروضة) أنه لو حلف ليصلين عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل الصلاة لم يبر إلا بتلك الكيفية، ووجه السبكي بأنه من أتى بها فقد صلى على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيقين، وكل من جاء بلفظ غيرها؛ فهو من إتيانه بالصلاة المطلوبة في شك؛ لأنهم قالوا: كيف نصلي عليه قال: (قولوا: ... ) فجعل الصلاة عليه منهم هي قولهم كذا. انتهى.
ذكره الهيثمي في (الدر المنضود) (ق 25/ 2) ثم ذكرا (ق 27/ 1) أن المقصود يحصل بكل من هذه الكيفيات التي جاءت في الأحاديث الصحيحية.
الفائدة الخامسة: واعلم أنه لا يشرع تلفيق صيغة صلاة واحدة من مجموع هذه الصيغ، وكذلك يقال في صيغ التشهد المتقدمة، بل ذلك بدعة في الدين، إنما السنة أن يقول هذا تارة، وهذا تارة؛ كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية في بحث له في التكبير في العيدين (مجموع) (69/ 253/1).
الفائدة السادسة: قال العلامة صديق حسن خان في كتابه (نزل الأبرار بالعلم المأثور من الأدعية والأذكار) بعد أن ساق أحاديث كثيرة في فضل الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والإكثار منها - قال (ص 161).
(لا شك في أن أكثر المسلمين صلاة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هم أهل الحديث ورواة السنة المطهرة، فإن من وظائفهم في هذا العلم الشريف الصلاة عليه أمام كل حديث ولا يزال لسانهم رطبًا بذكره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس كتاب من كتب السنة، ولا ديوان من دواوين الحديث -على اختلاف أنواعها؛ من (الجوامع) و (المسانيد) و (المعاجم) و (الأجزاء) وغيرها- إلا وقد اشتمل على آلاف الأحاديث حتى إن أخصرها حجمًا كتاب (الجامع الصغير) للسيوطي فيه عشرة آلاف حديث وقس على ذلك سائر الصحف النبوية فهذه العصابة الناجية والجماعة الحديثية أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة، وأسعدهم بشفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -بأبي هو وأمي- ولا يساويهم في هذه الفضيلة أحد من الناس إلا من جاء بأفضل مما جاؤوا به، ودونه خرط