يركع ما بدا له". فدل ذلك على مسألتين:

الأولى: أن المستحب لمن دخل المسجد يوم الجمعة أن يصلي قبل أن يجلس ما شاء حتى يخرج الإمام، وهنا نفل مطق، وليس بسنة للجمعة؛ لأن الجمعة ليس لها سنة قبلية، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (ولهذا كان جماهير الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت، مقدرة بعدد؛ لأن ذلك إنما يثبت بقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو فعله، وهو لم يسن في ذلك شيئًا لا بقوله ولا بفعله، وهذا مذهب مالك ومذهب الشافعي وأكثر أصحابه، وهو المشهور في مذهب أحمد .. ) (?).

وما يفعله بعض الناس -ولا سيما في المسجد الحرام- من صلاته ركعتين أو أربع بعد الأذان الأول يوم الجمعة مباشرة؛ معتقدين أن ذلك سنة للجمعة قبلها كما يصلون قبل الظهر، فهذا لا أصل له، كما تقدم، ولا دليل لهم في حديث: بين كل أذانين صلاة (?)؛ لأن المراد بالحديث: الأذان والإقامة. وعلى فرض أن المراد بذلك الأذانان فلا يصح الإستدلال به أيضًا؛ لأنه لم يكن في عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الجمعة سوى الأذان الأول والإقامة فيتعذر فعل السنة؛ لأنه كان بين الأذان والإقامة الخطبة فلا صلاة بينهما (?).

يقول ابن الحاج رحمه الله في كتابه "المدخل": (وينهى الناس عما أحدثوه من الركوع بعد الأذان الأول للجمعة؛ لأنه مخالف لما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم؛ لأنهم كانوا على قسمين: فمنهم من كان يركع حين دخوله المسجد، ولا يزال كذلك حتى يصعد الإمام المنبر، فإذا جلس عليه قطعوا تنفلهم، ومنهم من كان يركع ويجلس حتى يصلي الجمعة، ولم يحدثوا ركوعًا بعد الأذان الأول ولا غيره.

فلا المتنفل يعيب على الجالس ولا الجالس يعيب على المتنفل. وهذا بخلاف ما هم اليوم يفعلونه، فإنهم يجلسون حتى إذا أذن المؤذن قاموا للركوع ... ) (?).

المسألة الثانية: أنه يصلي في أي وقت كان؛ لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام".

وظاهر هذا جواز الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال، وهذا من خصوصيات هذا اليوم أنه مستثنى من وقت النهي الذي هو قيام الشمس حتى تزول، كما بين ذلك العلامة المحقق ابن القيم -رحمه الله- في "زاد المعاد" واحتج لذلك بحديث سلمان المذكور، وقال عقبه: (فندبه إلى الصلاة ما كتب له، ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإمام. ولهذا قال غير واحد من السلف منهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وتبعه عليه الإمام أحمد بن حنبل: خروج الإمام يمنع الصلاة، وخطبته لقنع الكلام، فجعلوا المانع من الصلاة خروج الإمام لا انتصاف النهار ... ) (?).

الحكم الرابع الاشتغال بالذكر وتلاوة القرآن

فإذا صلى ما كتب له شرع في تلاوة كتاب الله تعالى إن كان يحسن ذلك، وقد ورد الترغيب في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015