السؤال في المسجد (?).
ولكن هذا الحديث ضعيف، وعلى هذا فالقول بالمنع وجيه جدًا؛ تأكيدًا لحرمة المسجد، وردعًا لذوي النفوس الضعيفة عن اتخاذهم المسجد مكانًا للتكسب، ولا سيما في زماننا هذا؛ فإن الكذب في هذا الزمان كثير، والحيل متعددة.
فإن جلس السائل في زاوية المسجد، أو عند بابه فلا بأس بإعطائه، أما من يشوش على المصلين، ويقطع عليهم تلاوتهم وذكرهم، أو يمر بين أيديهم وهم يصلون، ويلح عليهم بإعطائه فالقول بمنعه وزجره وجيه جدًا.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (أصل السؤال محرم في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة، فإن كان به ضرورة وسأل في المسجد، ولم يؤذ أحدًا بتخطيه رقاب الناس ولا غير تخطيه، ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله، ولم يجهر جهرًا يضر بالناس، مثل أن يسأل والخطيب يخطب أو وهم يسمعون علمًا يشغلهم به ونحو ذلك جاز، والله أعلم) (?).
يباح الأكل والشرب في المسجد، إلا ما كان له رائحة كريهة كالثوم والبصل والكراث والفجل؛ لأن آكل هذه البقول منهي عن إتيان المسجد كما تقدم في أول الكتاب. والأكل في المسجد إما أن يكون معتكفًا أو غير معتكف ...
فإن كان معتكفًا فإنه يأكل ويشرب في المسجد، وليس له أن يخرج من أجل الأكل؛ لأن خروجه ينافي الاعتكاف، قال الإمام مالك -رحمه الله-: (أكره للمعتكف أن يخرج من المسجد فيأكل بين يدي الباب، ولكن ليأكل في المسجد، فإن ذلك له واسع)، وقال: إلا يأكل المعتكف ولا يشرب إلا في المسجد، ولا يخرج من المسجد إلا لحاجة الإنسان لغائط أو بول) (?).
وأما غير المعتكف فكذلك يجوز له الأكل في المسجد، ولا داعي لتقييد ذلك بالغريب دون غيره، فإن الأدلة عامة، ومن ذلك: ما ورد عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي - قال: أكلنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شواء في المسجد، فأقيمت الصلاة، فأدخلنا أيدينا في الحصى، ثم قمنا نصلي، ولم نتوضأ (?).
وعنه -أيضًا-رضي الله عنه- قال: كنا نأكل على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد الخبز واللحم (?). ويشهد لذلك أن أهل الصفة كانوا يسكنون في المسجد، وهذا يدل ضمنًا على أن الأكل فيه جائز. وكذا قصة