الْآنِيَة الْمَأخُوذَة مِنْ الْحَيَوَان غَيْر الْجِلْد

الآنِيَةُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ عَظْمِ حَيَوَانٍ مَأكُولِ اللَّحْمِ مُذَكًّى يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهَا إِجْمَاعًا. وَأَمَّا الآنِيَةُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ حَيَوَانٍ غَيْرِ مَأكُولِ اللَّحْمِ، فَإِنْ كَانَ مُذَكًّى فَالْحَنَفِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ، لِقَوْلِهِمْ بِطَهَارَةِ الْقَرْنِ وَالظُّفُرِ وَالْعَظْمِ، مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَمْتَشِطُ بِمُشْطٍ مِنْ عَاجٍ "، وَهُوَ عَظْمُ الْفِيلِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ طَاهِرًا لَمَا امْتَشَطَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الآنِيَةِ مِنْ عَظْمِ الْفِيلِ. وَهُوَ أَحَدُ رَأيَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرَأيُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ. وَحُجَّةُ أَصْحَابِ هَذَا الرَّأيِ أَنَّ الْعَظْمَ وَالسِّنَّ وَالْقَرْنَ وَالظِّلْفَ كَالشَّعْرِ وَالصُّوفِ، لا يُحِسُّ وَلا يَألَمُ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّمَا حَرُمَ مِنَ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا ". وَذَلِكَ حَصْرٌ لِمَا يَحْرُمُ مِنَ الْمَيْتَةِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهَا عَلَى الْحِلِّ.

وَالرَّأيُ الآخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ نَجِسٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْعَظْمُ مِنْ حَيَوَانٍ غَيْرِ مُذَكًّى (سَوَاءٌ كَانَ مَأكُولَ اللَّحْمِ أَوْ غَيْرَ مَأكُولِهِ) فَالْحَنَفِيَّةُ وَمَنْ مَعَهُمْ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ فِي طَهَارَتِهِ، مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَسَمٌ، فَلا يَطْهُرُ إِلا بِإِزَالَتِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: الْعَظْمُ هُنَا نَجِسٌ، وَلا يَطْهُرُ بِحَالٍ. (?)

هَذَا وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ عَظْمِ الْخِنْزِيرِ، لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ، وَعَظْمِ الآدَمِيِّ - وَلَوْ كَافِرًا - لِكَرَامَتِهِ.

وَأَلْحَقَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْفِيلَ بِالْخِنْزِيرِ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ عِنْدَهُ. (?)

وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيَّةُ الْكَلْبَ بِالْخِنْزِيرِ. وَكَرِهَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالْحَسَنُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عِظَامَ الْفِيَلَةِ. (?) وَرَخَّصَ فِي الانْتِفَاعِ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَغَيْرُهُ وَابْنُ جَرِيرٍ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ثَوْبَانَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى لِفَاطِمَةَ قِلادَةً مِنْ عَصْبٍ وَسِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ ".

وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالنَّجَاسَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى} حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ {وَالْعَظْمُ مِنْ جُمْلَتِهَا، فَيَكُونُ مُحَرَّمًا، وَالْفِيلُ لا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَهُوَ نَجِسٌ ذُكِّيَ أَوْ لَمْ يُذَكَّ.

وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ اسْتِعْمَالَ عَظْمِ الْفِيلِ مَكْرُوهٌ. وَهُوَ ضَعِيفٌ.

وَفِي قَوْلٍ لِلإِمَامِ مَالِكٍ: إِنَّ الْفِيلَ إِنْ ذُكِّيَ فَعَظْمُهُ طَاهِرٌ، وَإِلا فَهُوَ نَجِسٌ. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015