أَنْوَاعُ النَّجَاسَات

قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الأَعْيَانَ النَّجِسَةَ إِلَى نَوْعَيْنِ: النَّجَاسَةُ الْمُغَلَّظَةُ وَالنَّجَاسَةُ الْمُخَفَّفَةُ. وَقَالُوا: كُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الإِنْسَانِ مِمَّا يُوجِبُ خُرُوجُهُ الْوُضُوءَ أَوِ الْغُسْلَ فَهُوَ مُغَلَّظٌ، كَالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ وَالْقَيْءِ إِذَا مَلأَ الْفَمَ وَدَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالاسْتِحَاضَةِ، وَكَذَلِكَ بَوْلُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ أَكَلا أَوْ لا، وَالْخَمْرُ وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَلَحْمُ الْمَيْتَةِ وَبَوْلُ مَا لا يُؤْكَلُ وَالرَّوْثُ وَإِخْثَاءُ الْبَقَرِ وَالْعَذِرَةُ وَنَجْوُ الْكَلْبِ وَخُرْءُ الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ وَالأَوِزِّ وَخِرَاءُ السِّبَاعِ وَالسِّنَّوْرِ وَالْفَأرِ وَخِرَاءُ الْحَيَّةِ وَبَوْلُهَا وَخِرَاءُ الْعَلَقِ وَدَمُ الْحَلَمَةِ وَالْوَزَغَةِ إِذَا كَانَ سَائِلا، فَهَذِهِ الأَعْيَانُ كُلُّهَا نَجِسَةٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً.

وَعَدُّوا مِنَ النَّجَاسَاتِ الْمُخَفَّفَةِ: بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَالْفَرَسُ وَخِرَاءُ طَيْرٍ لا يُؤْكَلُ.

أَمَّا أَجْزَاءُ الْمَيْتَةِ الَّتِي لا دَمَ فِيهَا إِنْ كَانَتْ صُلْبَةً، كَالْقَرْنِ وَالْعَظْمِ وَالسِّنِّ وَالْحَافِرِ وَالْخُفِّ وَالظِّلْفِ وَالشَّعْرِ وَالصُّوفِ وَالْعَصَبِ وَالإِنْفَحَةِ الصُّلْبَةِ فَلَيْسَتْ بِنَجِسٍ، لأَنَّ هَذِهِ الأَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِمَيْتَةٍ (?) وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ}.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ عِنْدَ الْكَلامِ عَنْ تَمْيِيزِ الأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ عَنِ النَّجِسَةِ:

أ - الْجَمَادَاتُ كُلُّهَا عَلَى الطَّهَارَةِ إِلا الْمُسْكِرَ.

ب - وَالْحَيَوَانَاتُ كُلُّهَا عَلَى الطَّهَارَةِ.

ج - وَالْمَيْتَاتُ كُلُّهَا عَلَى النَّجَاسَةِ.

د - وَدُودُ الطَّعَامِ كُلُّهُ طَاهِرٌ، وَلا يَحْرُمُ أَكْلُهُ مَعَ الطَّعَامِ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ لا يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ، وَلا يَنْجَسُ مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ مَاءٍ أَوْ مَائِعٍ. (?)

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأَصْلَ فِي الأَعْيَانِ الطَّهَارَةُ.

وَفَصَّلُوا فِي ضَبْطِهَا فَقَالُوا: الأَعْيَانُ جَمَادٌ وَحَيَوَانٌ.

فَالْجَمَادُ كُلُّهُ طَاهِرٌ.

وَالْحَيَوَانُ - أَيِ الْحَيُّ - كُلُّهُ طَاهِرٌ إِلا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَفَرْعَ كُلٍّ مِنْهُمَا.

وَجُزْءُ الْحَيَوَانِ كَمَيْتَتِهِ.

وَالْمَيْتَةُ كُلُّهَا نَجِسَةٌ إِلا السَّمَكَ، وَالْجَرَادَ، وَالآدَمِيَّ، وَالْجَنِينَ بَعْدَ ذَكَاةِ أُمِّهِ، وَالصَّيْدَ الَّذِي لا تُدْرَكُ ذَكَاتُهُ.

وَالْمُنْفَصِلُ عَنِ الْحَيَوَانِ إِمَّا يَرْشَحُ رَشْحًا كَالْعَرَقِ، وَلَهُ حُكْمُ حَيَوَانِهِ - أَيِ الْحَيِّ - وَإِمَّا لَهُ اسْتِحَالَةٌ فِي الْبَاطِنِ كَالْبَوْلِ فَهُوَ نَجِسٌ إِلا مَا اسْتُثْنِيَ. (?)

الْمُغَلَّظُ مِنَ النَّجَاسَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا وَرَدَ فِي نَجَاسَتِهِ نَصٌّ وَلَمْ يُعَارِضْهُ آخَرُ وَلا حَرَجَ فِي اجْتِنَابِهِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، لأَنَّ الاجْتِهَادَ لا يُعَارِضُ النَّصَّ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: مَا اتُّفِقَ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَلا بَلْوَى فِي إِصَابَتِهِ.

وَالْقَدْرُ الَّذِي يَمْنَعُ الصَّلاةَ مِنَ النَّجَاسَةِ الْغَلِيظَةِ أَنْ تَزِيدَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِسَاحَةً إِنْ كَانَ مَائِعًا وَوَزْنًا إِنْ كَانَ كَثِيفًا. (?)

وَقَالُوا: كُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الإِنْسَانِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلتَّطْهِيرِ فَنَجَاسَتُهُ غَلِيظَةٌ كَالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالدَّمِ وَالصَّدِيدِ وَالْقَيْءِ وَلا خِلافَ فِيهِ، كَذَلِكَ الْمَنِيُّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " إِنْ كَانَ رَطْبًا فَاغْسِلِيهِ، وَإِنْ كَانَ يَابِسَةً فَافْرُكِيهِ " وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: " إِنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ: وَذَكَرَ مِنْهَا الْمَنِيَّ " وَلَوْ أَصَابَ الْبَدَنَ وَجَفَّ، رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَطْهُرُ لأَنَّ الْبَلْوَى فِيهِ أَعَمُّ، وَالاكْتِفَاءَ بِالْفَرْكِ لا يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِالْفَرْكِ، فَتَجُوزُ الصَّلاةُ فِيهِ حَتَّى إِذَا أَصَابَهُ الْمَاءُ يَعُودُ نَجِسًا عِنْدَهُ خِلافًا لَهُمَا.

وَكَذَلِكَ الرَّوْثُ وَالإِخْثَاءُ وَبَوْلُ مَا لا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنَ الدَّوَابِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لأَنَّ نَجَاسَتَهَا ثَبَتَتْ بِنَصٍّ لَمْ يُعَارِضْهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الرَّوْثَةِ: " هِيَ رِجْسٌ "، وَالإِخْثَاءُ مِثْلُهُ، وَلأَنَّهُ اسْتَحَالَ إِلَى نَتَنٍ وَفَسَادٍ وَهُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْ حَيَوَانٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَصَارَ كَالآدَمِيِّ.

وَكَذَلِكَ بَوْلُ الْفَأرَةِ وَخُرْؤُهَا، لإِطْلاقِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ "، وَالاحْتِرَازُ عَنْهُ مُمْكِنٌ فِي الْمَاءِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ فَيُعْفَى عَنْهُ فِيهِمَا.

وَكَذَلِكَ بَوْلُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ أَكَلا أَوْ لا، لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ نَضْحِ بَوْلِ الصَّبِيِّ إِذَا لَمْ يَأكُلْ فِيمَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلامِ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ " فَالنَّضْحُ يُذْكَرُ بِمَعْنَى الْغَسْلِ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لِلْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ لَمَّا سَأَلَهُ عَنِ الْمَذْيِ: " تَوَضَّأ وَانْضَحْ فَرْجَكَ " أَيِ اغْسِلْهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا.

وَالْبَطُّ الأَهْلِيُّ وَالدَّجَاجُ نَجَاسَتُهُمَا غَلِيظَةٌ بِإِجْمَاعِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ (?)

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الْمُغَلَّظَ مَا نَجُسَ بِمُلاقَاةِ شَيْءٍ مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مُتَوَلِّدٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا. (?)

وَالنَّجِسُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: مَا كَانَتْ ذَاتُهُ نَجِسَةً كَالْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَالْمُتَنَجِّسُ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي الأَصْلِ وَأَصَابَهُ نَجَاسَةٌ. (?)

وَقَسَّمَ الْحَنَابِلَةُ النَّجَاسَةَ مِنْ حَيْثُ تَطْهِيرِهَا إِلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ.

الأَوَّلُ: نَجَاسَةُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَيَكُونُ تَطْهِيرُهَا بِالْغَسْلِ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ.

الثَّانِي: نَجَاسَةُ بِوْلِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَأكُلِ الطَّعَامَ، وَيُطَهَّرُ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ بِنَضْحِهِ أَيْ غَمْرِهِ بِالْمَاءِ.

الثَّالِثُ: بَقِيَّةُ الْمُتَنَجِّسَاتِ وَتُطَهَّرُ بِسَبْعِ غَسَلاتٍ مُنْقِيَةٍ وَلا يُشْتَرَطُ لَهَا تُرَابٌ. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015