ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ رُشْدٍ وَبَعْضٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى الْقَوْلِ بِالطَّهَارَةِ مُطْلَقًا.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْحَنْبَلِيِّ، وَاخْتَارَهُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ اللَّخْمِيُّ وَالتُّونِسِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَوَصَفَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ، إِلَى عَدَمِ طَهَارَةِ الدُّخَانِ الْمُتَصَاعِدِ مِنْ وَقُودِ النَّجَاسَةِ، وَالْبُخَارِ الْمُتَصَاعِدِ مِنَ الْمَاءِ النَّجِسِ إِذَا اجْتَمَعَتْ مِنْهُ نَدَاوَةٌ عَلَى جِسْمٍ صَقِيلٍ ثُمَّ قُطِّرَ فَهُوَ نَجِسٌ، وَمَا يُصِيبُ الثَّوْبَ مِنْ بُخَارِ النَّجَاسَةِ يُنَجِّسُهُ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ دُخَانَ النَّجَاسَةِ نَجِسٌ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ. وَبُخَارُ النَّجَاسَةِ إِذَا تَصَاعَدَ بِوَاسِطَةِ نَارٍ نَجِسٌ؛ لأَنَّ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ تَفْصِلُهَا النَّارُ بِقُوَّتِهَا فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ.
وَإِذَا طُبِخَ طَعَامٌ بِرَوْثِ آدَمِيٍّ، أَوْ بَهِيمَةٍ، أَوْ أُوقِدَ بِهِ تَحْتَ هِبَابٍ فَصَارَ نَشَادِرًا، فَالطَّعَامُ طَاهِرٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا أَصَابَهُ مِنْ دُخَانِ النَّجَاسَةِ كَثِيرًا، وَإِلا تَنَجَّسَ. وَكَذَا النَّشَادِرُ إِنْ كَانَ هِبَابُهُ طَاهِرًا، وَإِلا فَهُوَ نَجِسٌ. فَالْهِبَابُ الْمَعْرُوفُ الْمُتَّخَذُ مِنْ دُخَانِ السِّرْجِينِ أَوِ الزَّيْتِ الْمُتَنَجِّسِ إِذَا أُوقِدَ بِهِ نَجِسٌ، كَالرَّمَادِ، وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ؛ لأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلُبُ التَّيْسِيرَ. (?)