(د جة) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: (خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ) (?) (عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -) (?) (فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأسِهِ , ثُمَّ احْتَلَمَ , فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ , فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ , فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ , فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: " قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللهُ , أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا؟ , فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالَ , إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ , وَيَعْصِبَ , عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً , ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا , وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ ") (?)
الشَّرْح:
(فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأسِهِ) أَيْ: فَجَرَحَهُ فِي رَأسِهِ. عون (336)
(مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ) حَمَلُوا الْوِجْدَانَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الْوِجْدَانَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فِي حُكْمِ الْفِقْدَانِ. عون (336)
قوله - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: (قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللهُ) أَسْنَدَ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - الْقَتْلَ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا لَهُ بِتَكْلِيفِهِمْ لَهُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مَعَ وُجُودِ الْجَرْحِ فِي رَأسِهِ , لِيَكُونَ أَدَلَّ عَلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ. عون (336)
(إِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالَ) الْعِيُّ: الْجَهْلُ , وَالْمَعْنَى أَنَّ الْجَهْلَ دَاءٌ وَشِفَاءَهَا السُّؤَالُ وَالتَّعَلُّمُ. عون (336)
(وَيَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً) أَيْ: يَشُدُّ.
(ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا) أَيْ: يَمسَحُ عَلَى الْخِرْقَةِ بِالْمَاءِ. عون (336)
فَوائِدُ الْحَدِيث:
قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْعِلْمِ أنه عابهم بِالْفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ وَأَلْحَقَ بِهِمُ الْوَعِيدَ بِأَنْ دَعَا عَلَيْهِمْ وَجَعَلَهُمْ فِي الْإِثْمِ قَتَلَةً لَهُ.
وَفِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّهُ أَمْرٌ بِالْجَمْعِ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَغَسْلِ سَائِرِ جَسَدِهِ بِالْمَاءِ وَلَمْ يَرَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ كَافِيًا دُونَ الْآخَرِ. أ. هـ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ: حَدِيثُ جَابِرٍ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْعُدُولِ إِلَى التَّيَمُّمِ لِخَشْيَةِ الضَّرَرِ. أ. هـ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ. عون (336)
مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ لِلْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْل تَتَحَقَّقُ بِمَا يَأتِي:
أ - وُجُودُ الْمَاءِ الْكَافِي لِلطَّهَارَةِ وَالْفَائِضِ عَنِ الْحَاجَةِ الضَّرُورِيَّةِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}. سورة النساء / 43.
ب - إمْكَانُ اسْتِعْمَال الْمَاءِ بِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَضُرُّهُ، أَوِ اسْتِعْمَالِهِ بِمُسَاعِدٍ وَلَوْ بِأَجْرٍ، لِأَنَّ الْعَاجِزَ عَنِ اسْتِعْمَال الْمَاءِ بِنَفْسِهِ إذَا وَجَدَ مَنْ يُوَضِّئُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْل يُعْتَبَرُ قَادِرًا بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ.
فَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ إمْكَانُ الاِسْتِعْمَال، فَلاَ يُعْتَبَرُ الشَّخْصُ قَادِرًا، وَيَنْتَقِل مِنَ الطَّهَارَةِ الْمَائِيَّةِ إلَى التَّيَمُّمِ.
فتح القدير مع الكفاية والعناية 1/ 117 - 125، وابن عابدين 1/ 155 - 158، 170، والدسوقي 1/ 147 وما بعدها، والمهذب 1/ 39 - 41، وكشاف القناع 1/ 162 - 167.
قال ابن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ: لَا يَتَيَمَّمُ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ مَنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُسَخِّنَ الْمَاءَ , أَوْ يستعمله على درجة يَأمَنُ الضَّرَرَ , مِثْلَ أَنْ يَغْسِلَ عُضْوًا وَيَسْتُرَهُ , وكلما غسل عضوا ستره ودفاه مِنَ الْبَرْدِ , لَزِمَهُ ذَلِكَ , وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ , تَيَمَّمَ وَصَلَّى فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ: يَغْتَسِلُ وَإِنْ مَاتَ , وَلَمْ يَجْعَلَا له عُذرا.
ومقتضى قولِ ابن مَسْعُودٍ: " لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ , لَأَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَيَمَّمُوا " , أَنَّهُ لَا يُتَيَمَّمُ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ. انْتَهَى. عون334
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ: حَدِيثُ جَابِرٍ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْعُدُولِ إِلَى التَّيَمُّمِ لِخَشْيَةِ الضَّرَرِ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.
وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِخَشْيَةِ الضَّرَرِ , وَقَالُوا: لِأَنَّهُ وَاجِدٌ. عون (336)