نحو سبعين سنة قمرية)، وكانت دمشق آمنة مطمئنة، والناس منصرفون إلى أعمالهم في الأسواق المطيفة بالأموي، والنساء في بيوتهن الحافة بالجامع، فما راعهم إلا صريخ يصرخ، كأنه النذير العريان: أن لقد احترق الأموي، فترك التجار مخازنهم مفتوحة ووثبوا ينظرون، وصعد النساء على السطوح، وتراكض الناس من كل جهة، وإذا الدخان ينبعث من سقف الجامع، ولم يكن في دمشق مصحلة إطفاء (وقد أُنشئت على أثر الحادث) وحار الناس ماذا يصنعون، فاستَبَقوا إلى سجاد المسجد ومصاحفه يُخرجون ما يصلون إليه منها، وعمد بعضهم إلى الماء يصبّونه، وإلى المعاول علّهم يحصرون النار، ولكن النار كانت أسرع منهم، إذ كان خشب السقف قديماً جافاً، وعليه من الأصبغة والأدهان طبقات، فما شمّ رائحة النار حتى التهب كله دفعة واحدة، كأنما قد صب عليه البنزين، وكانت الرياح في ذلك اليوم غربية شديدة، فما مرت نصف ساعة حتى صار السقف كله شعلة واحدة، وجعلت قطع النيران تتساقط من كل مكان، فالتهب المسجد كله، ولم يعد أحد يستطيع أن يقترب منه، فوقفوا ينظرون وكأن النار التي تأكل مسجدهم تأكل قلوبهم، ولكن العجز أمسكهم وقيّدهم، وكانت عمد المسجد قديمة أكثرها مكسور ومربوط بأطواق الحديد، فتشقّقت من النار، ثم هوى البناء كله، وزلزلت الأرض، وكانت ساعة من ساعات الهول، وامتدت النار تسوقها الرياح الغربية إلى سوق القباقبية والقوافين وزقاق الحمراوي، وانجلى الدخان عن الخراب الشامل، لم يبق من الأموي إلا المشهدان عند باب البريد ورواق الصحن، عدا الرواق المتدّ بين باب النوفرة إلى مشهد الحسين، فقد ناله الحريق فتضعضع، وأصاب الحريق المنارة الغربية.
وأمامي الآن صورة نشرها الدكتور المنجد للأموي بعد الحريق، ما فيها إلا جدار الحرم الشمالي (من جهة الصحن) والواجهة المثلثة