(قبر يحيى) وفيه مشهد رأس يحيى بن زكريا عليه السلام وهو مدفون بالجامع المكرم في البلاد القبلي قبالة الركن الأيمن من المقصورة الصحابية، رضي الله عنهم. وعليه تابوت خشب معترض من الأسطوانة، وفوقه قنديل كأنه من بلّور مجوّف، كأنه القدح الكبير، لا يُدرى أمن زجاج عراقي أم صوري هو أم غير ذلك؟.
ومن أعظم ما شاهدناه من مناظر الدنيا الغريبة الشأن، وهياكلها الغريبة البنيان المعجزة الصنعة والإتقان، والمعترف بوصفها بالتقصير لسان كل بيان، الصعود إلى أعلى قبة الرصاص المذكورة في هذا التقييد القائمة وسط الجامع المكرم، والدخول في جوفها، وإجالة لحظ الاعتبار في بديع وضعها مع القبة التي في وسطها، كأنها كرة مجوّفة داخلة في وسط كرة أخرى أعظم منها.
صعدنا إليه في جملة من الأصحاب المغاربة، ضحوة يوم الاثنين الثامن عشر لجمادي الأولى سنة 580 من مرقى في الجانب الغربي من بلاط الصحن، كان صومعة في القديم، وتمشّينا على سطح الجامع المكرم وكله ألواح رصاص منتظمة، كما تقدم الذكر لذلك، وطول كل لوح أربعة أشبار وعرضه ثلاثة أشبار، وربما اعترض في الألواح نقص أو زيادة، حتى انتهينا إلى القبة المذكورة، فصعدنا إليها على سلّم منصوب، والريح تكاد تطير بنا، فحَبونا في الممشى المطيف بها وهو من رصاص، وسعته ستة أشبار، فلم نستطع القيام عليه لهول الموقف فيه، فأسرعنا الولوج إلى جوف القبة، على أحد شراجيبها، المفتّحة في الرصاص، فأبصرنا مرأى تحار فيه العقول، وتقف دون إدراكه هيبة وصف الأفهام، وجلنا على فرش من الخشب العظام، حول القبة الصغيرة الداخلة في جوف الرصاصية على الصفة التي ذكرناها، ولها