ومن كانت له دار يسكنها هو، وسكنها أبوه من قبله خمسين سنة، يتعهّدها فيها بالإصلاح وبالتجديد، لم يستطع أن يحدّد تاريخ كل باب فيها وكل جدار، فكيف بالأموي وهو من ألف وثلاثمئة سنة عرضة للإصلاح والتجديد.
بقي الأموي على صفته الأولى (التي ستقرؤونها بعد صفحات) أو على قريب منها نحواً من أربعمئة سنة، أي إلى سنة 461 حين نشب فيه الحريق العظيم، فنسخ آياتِ حُسنه، وطمس وجه جماله، وصيّره تلالاً من التراب، وبقي على ذلك أربع عشرة سنة إلى سنة 475 حين جُدّد بأمر ملكشاه السلجوقي.
ثم تتالت عليه الزلازل والحرائق على ما سيأتي تفصيله، ولم يكن عمل البشر في صحن المسجد أقل من عمل الطبيعة (?)، فلقد انتابه الإهمال مرة حتى صار كأنه خان أو فندق، وامتلأ صحنه باللاجئين والمقيمين، وصار الرجل يجد لنفسه موضعاً فيه يضع فيه حاجاته وصندوقه، ويقيم لنفسه مقصورةً أو كوخاً، ويستقر فيه، وبلغ ما فيه من هذه المقاصير أكثر من ثلاثمئة، واتخذ فيه الأمراء حواصل ومستودعات، وبقي ذلك مدة لا يُعرف مقدارها حتى جاء الملك الظاهر، فكان من بداية إصلاحاته أن طرد هؤلاء الناس، ونظّفه وغَسَل رخامه، وفرشه وأعاده مسجداً للعبادة والعلم.