تاسعاً: نزاهة ملك ليبيا وعفته واقوال المؤرخين فيه ووفاته:
حينما وقع الانقلاب في سبتمبر 1969م كان الملك في رحلة الى تركيا واليونان ولم يكن معه مال خاص ينفق منه، ومع ذلك فحينما عرض عليه المسؤول المالي للرحلة استلام ماتبقى في عهدته من مخصصات رفض الملك ذلك بعزة نفس وقال له: (يابني أنا بالأمس كنت ملك ليبيا، ولكني لم اعد كذلك اليوم، وبالتالي فإن هذا المال لم يعد من حقي، ويجب أن يسلم الى خزينة الشعب).
تقول الملكة فاطمة في رسالة لها بتاريخ 13 سبتمبر 1969م تصف فيها حالها ومال زوجها الملك بعد وقوع الانقلاب: (إننا نحمد الله على أن تيجان الملكية لم تبهرنا قط، ولا نشعر بالأسف لفقدها، فنحن كنا دائماً نعيش حياة متواضعة، ولم يغيب عن أذهاننا مثل هذا اليوم، كما نحمد الله كثيراً على أننا لا نملك مليماً واحداً في أي مصرف حتى يشغل بالنا المال، ولم نغير أبداً معاملتنا لاصدقائنا وهي لن تتغير مع الايام) (?).
لقد تحدث الكثيرون عن سيرة ملك ليبيا السابق ويجدر بنا أن نشير الى بعض اللذين عاصروه واتصلوا به شخصياً، واطلعوا عن قرب على الكثير من اخلاقه الرفيعة ففي مقال نشر في صحيفة الشرق الاوسط في عددها بتاريخ 23 يونيو 1983م نعى السيد مصطفى بن حليم رئيس وزراء ليبيا السابق الملك محمد ادريس السنوسي وتحدث عن جهاد ليبيا تحت قيادته وكان ضمن ماقاله عن شخصيته: (لقد عرفت الملك ادريس رحمه الله معرفة حميمة على مدى نصف قرن تقريباً عرفته منذ كنت صبياً وعملت معه وزيراً ثم رئيساً لحكومته ثم مستشاراً له، كما عرفته وأنا مواطن عادي، وكما عرفته وهو لاجئ في مصر وكنت دائماً التردد عليه في ملجئه في القاهرة وفي طول نصف القرن عرفت فيه المجاهد المسلم الزاهد المتواضع لم يعر مباهج الدنيا أي اهتمام، وكان الملك المؤمن الورع والاب العطوف والقائد الحكيم المتواضع، كما كان يحن دائماً للهجرة الى مكة والمدينة المنورة ليجاور في الأراضي