(رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) وطلب منهم الإهتداء بهذا الحديث ودعاهم إلى نبذ جميع أشكال الخلاف والشقاق والأنانية التي تضر إن وجدت بالجزائر واستقلالها.
كانت الحكومات الليبية المتعاقبة بعد حكومة بن حليم تدعم ثورة الجزائر وكان من وراء ذلك التأييد غير المنقطع الملك إدريس بتوجيهاته المستمرة، وكان يكن في أعماقه عطفاً خاصاً على ثورة الجزائر الإسلامية.
إن المملكة الليبية بحكومتها وشعبها ساعدت ثوار الجزائر في معركتهم المقدسة ضد فرنسا وقاموا بمد الثورة بالسلاح والذخائر والمساعدات وقد حدثني السيد محمد القاضي عبد الكبير الذي كان معي في المعتقل السياسي بطرابلس عام 1983م وكان حاكماً لمنطقة فزان زمن المملكة فقد أخبرني عن اشراف الحكومة على مخازن الأسلحة وتوصيلها للمجاهدين في الجزائر وقد توفي رحمه الله بعد خروجه من السجن وقد قضى في سجون ليبيا من عام 1969م إلى سنة 1988م وكان رجلاً عجيباً في دينه وصفاء فطرته، حفظ القرآن الكريم بعد الخامسة والأربعين من عمره، وكان يتحدث الانجليزية والفرنسية والإيطالية وكان شعلة من النشاط والاجتهاد والتعليم وقد جاوز الستين من عمره، وكان يحافظ على صيام السنن، والنوافل، والقيام والرياضة البدنية، وكان يقول لي أن أمله في الله أن يغفر له ذنوبه وأن يكون سجنه تكفير للذنوب والخطايا، وأن السجن وقفة مع الذات وفرصة لمحاسبة النفس لاتعوض أبداً وإن الذي أكرمني الله به في السجن لولا أن الله منّ علي به ما تحصلت عليه أبداً وماوصلت إليه لقد كان فريداً في سنه، وفريداً في نشاطه، فرحمة الله عليه.
إن جميع الساسة والقادة العسكريين زمن المملكة الليبية والذين كانت لهم علاقة مباشرة بمد الثورة في الجزائر يشهدون أن الملك رحمه الله كان مسانداً لحركة الثورة، وحريصاً على نجاحها، ولم يقصر معها لامادياً، ولامعنوياً.