إن انسى لن انسى مأدبة العشاء التي اقامها لي السيد علي قبل رحيلي حيث كنا على احسن ما يكون من البهجة والسرور فيمكنني اذا ان اخفي ما أشعر به من سعادة لذكريات الجبل الاخضر وأنا أعلم ان الاخطار والمشاق والاهوال لم توهن من عزائم رجاله قيد شعرة، بل أطلقت ألسنتهم بالفرح والفكاهات.

ولم اكن الشخص الوحيد الذي نعم في ظل العناية العربية الكريمة بالراحة والامن والطمأنينة فإن مئات من الطيارين والاسرى الفارين وغيرهم ممن ضلوا عن وحداتهم كانوا موضع عناية العرب وحسن ضيافتهم الى ان اعادوهم سالمين الى صفوفهم، وتتجلى قيمة هذه المعونة اذا عرضنا ان العرب انفسهم في ذلك الوقت كانوا يعانون نقصاً فادحاً في جميع ضروريات الحياة، فلم يكن لديهم ما يكفي من الملابس، وكان الشاي والسكر أثمن من الذهب، ومع ذلك كانوا لا يتاونون عن التضحية بالقليل الذي لديهم عن رضى وطيب خاطر.

ولعلي اكون مبالغاً اذا قلت ان جميع جنود الجيش البريطاني الذي قاتلت في الجبل الاخضر يدينون بالشكر للعرب، فكثير منا مدينون لهم بحياتهم، وسوف لاننسى كيف مهد ولاء العرب و إخلاصهم وتضحياتهم طريق النصر الاخير الحاسم.

لقد مر عرب برقة على وجه خاص بوقت عصيب حقاً، فقد خاضوا غمار حروب مستمرة متواصلة مدة ثلاثين عاماً فقدوا فيها نصف عددهم ولكن روحهم المعنوية ما زالت قوية جبارة، وما زالوا يعيشون كما عاش آبائهم وأجدادهم من قبل رجال محاربين احراراً.

لقد اتيحت لي فرصة المعيشة مع هؤلاء القوم القليلين في العدد الاقوياء بالروح، واستطيع أن أقول إني لا أثق في شعب آخر مثل ثقتي بهم وأرجو أن تتاح لي فرصة زيارة أصدقائي في الجبل الأخضر، مرة أخرى، وآمل أن أراهم جميعاً في أحسن صحة وأسعد حال، وقد اتسعت مضارب خيامهم، وزادت أنعامهم، وأصلحت آبارهم ونشر السلام جناحيه على ربوعهم اليانعة الخضراء (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015