ولعلي أحمل للجبل الأخضر هذه الذكريات الطيبة لسبب ثالث وهو أن العرب هناك علموني طرقاً جديدة في فنون الحرب والقتال علمتها بدوري فيما بعد لزملائي الجنود ومارسناها على نطاق واسع في إيطاليا وغيرها بنجاح وتوفيق.
زرت الجبل الأخضر لأول مرة عندما احتللنا مدينة درنة في سنة 1941م، وهناك وثقت عرا الصداقة والمودة مع كثيرين من العرب، أخص بالذكر منهم الشيخ عبد القادر بوبريدان والشيخ علي بو حامد وكلاهما من قبيلة العبيدات وبعد بضعة شهور منيت الجيوش البريطانية بنكسات متوالية، واحتل العدو برقة مرة اخرى حتى بلدة غزالة غربي طبرق، وكانت هيئة القيادة البريطانية العليا في القاهرة في حاجة ماسة الى معلومات عن حركات العدو، فأرسلت بناء على طلبي لجمع تلك المعلومات بمساعدة العرب في منطقة تمتد من بني غازي الى غزالة، ومن المهام الاخرى التي كلفت بها أن أنسف مستودعات العدو وطائراته.
أنزلتني إحدى الدوريات مع جماعتي في إحدى الامسيات بالقرب من (بلدة الزلخ) ومن هناك امتطيت صهوة الخيول والجمال الى المكان الذي نقصده، وكان بين أفراد جماعتي عربيان: أحدهما الملازم سعد علي رحومه وهو من الجيش السنوسي التابع للشيخ السيد ادريس السنوسي والآخر جندي عادي، وزرت في المرحلة الاولى معظم قبائل العبيدات الغربية وبعض قبائل البراعصة والدرسة، وقوبلنا في كل مكان بالترحيب الودي وكرم الضيافة رغم أن البلاد بأسرها كانت في قبضة العدو رغم مايتعرض له العرب من أخطار محققة، إذا علم أنهم كانوا يأوون ضابطاً بريطانياً، وآمل أن يكون كل من السيد عبد القادر بوبريدان والسيد علي بوحامد مازالا على قيد الحياة الى ألان، وأن يذكرا مجلساً عقدناه في ذلك الوقت مع مشايخ قبيلة العبيدات الآخرين في مكان لايبعد كثيراً على درجة عظيمة من الخطورة والأهمية، بل ويمكنني أن أقول الآن أن الحرب في الصحراء ربما اتخذت شكلاً آخر بدون تلك المعلومات، ويرجع معظم الفضل في ذلك الى اخلاص العرب الذين يرقبوا بعين لا يغمض لها جفن طريق مرتوبة، وأولئك الذين أخذوا يتنقلون من بني