مازالوا يحملون آثار جراح بليغة، ويندر أن تجد عائلة منهم لم تصب في فرد من أفرادها على يد الإيطاليين.

إن تلك الشجاعة التي اشتهر بها الليبيون عن جدارة واستحقاق وقد تبدت مرة أخرى في الحملات الأخيرة، فنحن لانزال نجهل قسطاً كبيراً من المساعدة التي قدموها لنا خلف خطوط الأعداء، كما أن مساعدتهم الفردية لكثير من الضباط البريطانيين شواهد ناطقة على الكرم العربي وحب العرب للمجازفة.

يقول هؤلاء الضباط إن كل خيمة عربية كانت بمثابة ملجأ وأن كل عربي كان بمثابة دليل. ومن طريف مايروى أن أحد المدفعيين البريطانيين أصيب بجرح فأواه عربي إلى أحد الكهوف وسهر على راحته ستة أشهر. فلما تماثل للشفاء حمله فوق جمله مسافة 400 ميل وأوصله إلى العلمين. قام العربي بكل ذلك وسلم الجندي الجريح إلى إحدى الوحدات دون أن يعلن عن اسمه أو يطلب مكافأة، وليس هذا الحادث الوحيد من نوعه، فإنه ماكان ليتسنى لمئات من جنودنا أن يعودوا الى وحداتهم دون مساعدة العرب، تلك المساعدة التي كانوا يقومون بها عن طيب خاطر والتي كانت تعرض حياتهم لخطر الموت، ولم يتطرق الوهم الى قلوب العرب حين كنا نتراجع تراجعاً كلياً وحين ظن الناس أن الدائرة قد دارت علينا، بل كانوا أبداً على استعداد لتقديم المساعدة.

وقد جرى اثناء احتفال عظيم في درنة أقامه الطليان على أثر استيلاء المحور على طبرق أن كان بين النظارة ضابط بريطاني متخف، فلم يفكر واحد من الاهلين أن يكشف أمره ويفضحه.

ومن الطبيعي أن تتضاءل قوة العرب بعد كفاح دام ثلاثين سنة، فقد انتهت ثورتهم بسقوط كفرة عام 1929م، وكانت النتيجة أن انتشر الليبيون المنفيون في أنحاء الشرق الادنى، أما الذين بقوا منهم في برقة فقد أرغموا على قبول حكم الموظفين الطليان والقانون الايطالي أيضاً. وشر من هذا أن اللغة الايطالية حلت محل اللغة العربية في المدارس وأخذ الجيل الناشئ ينسى العربية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015