الإصلاح المركزية لم تكن حكومة بالمعنى المفهوم للحكومة، وأن كثيراً من المناطق قد ظلت غير خاضعة لحكمها ونفوذها، كما أن بعض الزعامات قد ظلت محافظة على موقفها الفردي، وكانت تستقل في كثير من الحالات بتقدير الوضع السياسي على أساس جهوي، وبما تقتضيه مصلحة منطقتها، أو مقاطعتها، وأحياناً قبيلتها وعشيرتها، مما انعدم معه عنصر الوحدة الوطنية الملزمة بالموقف الموحد، خاصة في هذا الظرف العسير، بحيث يعد الخروج عليه، أو التخاذل عنه خيانة تحسب على الخارج أو المتخاذل، وكانت هذه الثغرات التي نفذ منها الإيطاليون واستطاعوا استغلالها أحسن استغلال، وقد فطن الوطنيون إلى الخطر الكامن وراء انعدام توحد القيادة، ولكن ذلك كان بعد فوات الأوان، وقد نتج عن ذلك تعدد في المواقف، واختلاف في وجهات النظر، وترك الأمر للاجتهاد الخاص، يحدد الموقف ويرسم الطريق، فرأينا بعض الزعماء يعارضون - عن اجتهاد خاص - المقاومة المسلحة لإيطاليا عقب نزولها بقصر أحمد، ورأينا آخرين يقفون على الحياد، كأن الأمر لايتصل بهم من قريب أو بعيد، ورأينا بعضهم يتشبث بأن يكون صاحب الكلمة النهائية في إبرام الهدنة، نظراً لأن الاعتداء واقع على أرضه (بالمعنى الجهوي)، وهكذا تحددت مواقف الزعماء في تاريخنا في كثير من الحالات على أساس جهوي، وكان لكل جهة صاحب يتولى أمرها ويقرر مصيرها ويحدد موقفها، وانعدام القاعدة السياسية قد عرض مواقف الزعماء وشخصياتهم لكثير من الخلخلة والاهتزازات) (?).
سابعاً: مؤتمر غريان:
بعد التطورات الخطيرة، والانشقاقات العظيمة، التي وقعت بين الزعماء، رأى عقلاء طرابلس ضرورة الاجتماع في مؤتمر عام ليتدارسوا الأوضاع الراهنة، ويتخذوا حيالها موقف مشترك.