عقد المعاهدات مع العدو، وهذه المصلحة يرجع تقديرها الى خليفة المسلمين، أو من يفوض في هذه المسألة.

ففي عصرنا اليوم، وقد تخلف المسلمون عن غيرهم من الشعوب، والدول المتقدمة في مجالات العلم، والصناعات، والأجهزة والمعدات العسكرية ... وما الى ذلك - قد يكون من المصلحة عقد المعاهدات مع بعض تلك الدول، بحيث تؤدي الى نقل ماتملتكه في هذه المجالات، الى بلاد المسلمين، مما تتحقق معه المنفعة التي تربو على مايمكن أن ينشأ عن تلك المعاهدات من بعض المفاسد.

كما أننا في هذا العصر، حين نجد الدول الاستعمارية، وهي تبحث عن أية ذريعة تُسوِّغُ لها - في نظر العالم- أعمالها العدوانية ضد المسلمين، وتتحين أية فرصة مناسبة للسيطرة على ثرواتهم، وتمزيق شملهم، وتدمير منشآتهم الحيوية ... حين نجد الدول الاستعمارية على هذه الحال، فإن مصلحة الاسلام والمسلمين تحتم على المسؤولين أن يتجنبوا كل مامن شأنه أن يجعل تلك الدول الظالمة تكشف لهم عن مخالبها، أو تكشر عن أنيابها، وعليهم في مثل هذه الأحوال أن يعقدوا مع العدو من المعاهدات المشروعة مايكون نفعه اكبر من ضرره بالنسبة الى الاسلام والمسلمين، من أجل قطع الطريق على مخاطر أكبر ومفاسد أعظم. هذا، مع وجوب السعي، في الوقت نفسه، الى المعالجة الجادة لواقع الوهن، والهوان والخزي الذي يعيشه المسلمون بسبب ماهم عليه من عداوات وتمزق، وتجزئة، وتخلف (?).

إن هذا المدخل يساعدنا على الانصاف، والحكم بالعدل عندما ندخل في دراسة المفاوضات التي مارسها محمد ادريس مع بريطانيا وايطاليا او التي قام بها زعماء طرابلس بعد اعلان الجمهورية الطرابلسية مع ايطاليا، وتعطي الأجيال نوعاً من الفقه المتعلق بالعلاقات الدولية في الاسلام، وتجعلها تهتم بقضية المعادلة الدولية، وعدم اغفالها اثناء سعيها الدؤوب لتحكيم الاسلام في دنيا الناس، وواقع الحياة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015