الواقعة فحكى لي خبرها بتفاصيله؛ وهو أنه كان ببرقة فبلغ الطليان بواسطة الجواسيس أن السيد في قلة من المجاهدين، وغير بعيد عن جيش الطليان، فسرحوا إليه قوة عدة آلاف ومعها سيارة كهربائية، إذ كان اعتقادهم أنه لايفلت من ايديهم تلك المرة؛ فبلغه خبر زحفهم، وكان يمكنه أن يخيم عن اللقاء أو أن يتحرف بنفسه الى جهة يكون فيها بمنجاة من الخطر، أو يترك الحرب للمجاهدين فلم يفعل. وقال لي: (خفت انني ان طلبت النجاة بنفسي، أصاب المجاهدين الوهل، فدارت عليهم الدائرة، فثبت للطليان وهم بضعة آلاف بثلثمائة مقاتل لاغير واستمات العرب، وصدموا العدو، فلما رأى هؤلاء وفرة من وقع من القتلى والجرحى، ارتدوا على اعقابهم؛ وخلصنا نحن الى جهة وافتنا فيها جموع المجاهدين) وقال لي: (وفي هذه الوقعة جرح الضابط نجيب الحوراني، الذي كان من أشجع أبطال الحرب الطرابلسية، كان قائداً شجاعاً ولكنه كان يغامر بنفسه في كل وقعة، فجرح مرتين واستشهد في الثالثة رحمه الله) (?)
لقد كان في جولاته يشارك الناس في شرابهم وأكلهم، ويصلي معهم، ويجاهد بنفسه بينهم، فقد كان قمة في الصبر والحلم والتواضع والبساطة، والشجاعة، والاقدام، ولايعرف الخوف إلا من الله وحده سبحانه وتعالى، فقد قوى الله به عزم المجاهدين، وشحذ به هممهم، ووحد به صفهم وكلمتهم في برقة كلها، ومن الأشعار التي قيلت بمناسبة نزوله الى ساحات النزال ماقاله حمزة الفقي الجهيني من قصيدة طويلة:
ياليث (جغبوب) أتيت ببرقة ... والأم ثكلى والدموع هوامي
والاسد في كنف الهلال يظلها ... يابن البواسل والجروح دوامي
قد عودت أن لاتضام فخاطرت ... والعرب لاترضى سوى الاقدام
والخيل تصهل والوجوه عوابس ... والطير غرثى والسيوف ضوامي
قل للصوص تشتتوا فأنا الذي ... أحمى الذمار بهمتي وحسامي (?)