كثيب من الرمال تظهر على صفحات وجهه المشرق علامات التفكير العميق، فلما سألوه عن السبب في ذلك، أجاب بأنه (يفكر في حال العالم الإسلامي الذي لايعدو عن كونه قطيعاً من الغنم لاراعي له على الرغم من وجود سلاطينه وأمرائه ومشايخ طرقه وعلمائه، فمع أن هناك عدداً كبيراً من المرشدين وعلماء الدين الموجودين في كل مكان، فإن العالم الإسلامي لايزال مفتقراً أشد الافتقار إلى مرشد حقيقي يكون هدفه سوق العالم الإسلامي أجمع إلى غاية واحدة ونحو غرض واحد والسبب في هذا إنعدام الغيرة الدينية لدى العلماء والشيوخ وإنصرافهم إلى الخلافات القائمة بينهم قد فرقتهم شيعاً وجماعات فأصبحوا لايعنون بنشر العلم والمعرفة ولايعملون بأوامر الدين الحنيف، وهو دين توحيد أساسه الاتحاد وجمع الكلمة. زد على هذا أن على هؤلاء العلماء والشيوخ واجب عظيم في حق الملة الإسلامية، إذ أن الشعوب المجاورة في السودان والصحراء من افريقية الغربية - لاتزال تعبد الأوثان، ومع هذا فانهم بدلاً من وعظ هذه الشعوب الوثنية وإرشادهم إلى الدين القويم، مازالوا يفضلون القبوع في كل مسجد من مساجد المعمورة غير عاملين بعلمهم لاهم لهم إلا راحة أجسامهم، حريصين على لذاتهم، غير قائمين بواجبات مراكزهم، لاضمائر لهم تؤنبهم على إهمالهم إرشاد هؤلاء المساكين، الوثنيين (?).
ومع ذلك فقد بلغ السيد من القوافل الواصلة إلى بلده مستغانم أن الإسلام مغلوب على أمره في كل محل، (وأن المقاطعات والخطط المعمورة تذهب من أيدي المسلمين في كل وقت وبسرعة البرق، فالإسلام في حالة التدهور المخيف. تم ختم كلامه بقوله: (هذا ما أفكر فيه! فلما سألوه وماذا يجب على المسلمين عمله لتلافي ماذكرت، أجاب: سأجتهد، سأجتهد) (?).
لقد كان تفكيره في حال الأمة مبكراً، واجتهد في البحث عن العلل والأسباب التي أدت إلى التدهور والضعف المخيف في كيان الأمة وذكر أن من أسباب هذا