فإن إيمان المؤمنين بالشريعة يعني أنها ثابتة عندهم علموا ذلك يقينًا ولا يضرهم جهل الأمم الأخرى بها، فثبوتها لايتوقف على وجود أحد، فضلًا عن وجود عقله، والعلم والإِيمان بها من أحد من الناس بعد أن يدرك المعجزة بعقله لا يعني ذلك أنها ليست ثابتة من قبل (?) ولا يعني تحكيم عقله في الشريعة بل الأمر الطبيعي أن إدراكه بعقله صحة المعجزة ثم إدراكه بعد ذلك ثبوت الشريعة وأنها حق كلها وصدق كلها وعدل كلها - وهذا مقتضى إيمانه بأنها من عند إله قادر حكيم عليم موصوف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص - مقتضى ذلك أن يسجد بعقله وجميع جوارحه لكل ماجاءت به، فكيف يصح القول بمعارضته لشيء منها، بل كيف يصح القول بإيقاف العلم بها لاحتمال وجود المعارض العقلي.
3 - إنّ دعوى أنّ العقل أصل للنقل هكذا على الإطلاق غير صحيح بل الحق كما سبق آنفًا أن العقل أصل لإِدراك المعجزة التي يُعلم بها صدق الرسول، فكأن ههنا مرحلتين:
الأولى: إدراك صدق الرسول وهذه الأداة فيها هي العقل.
الثانية: الالتزام بما جاء به الرسول علمًا وعملًا، وهذه العقل فيها تابع منقاد مستسلم لأنها إمّا غيب أو مبنية على الغيب، والعقل لا مدخل له هنا وليس أصلًا لها، بل هو هنا محل للعبودية والانقياد.
فإذا قال المعتزلة أو الأشاعرة أو الفلاسفة قديمًا أوحديثًا .. إنّ العقل أصل لثبوت المعجزة صدقناهم .. وإذا اشترطوا على النص أن لا يأتي بتكذيب المعجزة أو التشكيك فيها صدقناهم أيضًا (?).
أمّا إذا جعلوا العقل أصلًا يُحتكم إليه في إثبات "العلم" للأدلة الشرعية وما كان قدحًا فيه صار قدحًا في الشرع فذلك لا يصدقهم فيه عاقل يريد أن