وقد كتب شيخ الإِسلام أعظم كتبه في الرد عليهم وبدأه بتصوير مذهبهم وأجاب عن شبهتهم هذه بنحو أربعة وأربعين وجهًا من الجزء الأول إلى آخر الجزء السابع وما بعده من كتابه الجليل "درء تعارض النقل والعقل" وقد كسر فيه الفلاسفة والمتكلمين من المعتزلة والأشاعرة كسرًا لا يجبرون بعده أبدًا ويتخلل هذه الوجوه دراسات عقدية ونقول لا تحصى كثرة عن السلف الأول وإليك بعضًا من تلك الوجوه مع عرض ميسر لها يسهل فهمها:

1 - أن ثبوت المعجزة وإدراك ذلك بالعقل حتى يصدق ويؤمن بأن هذه المعجزة تدل على صدق الرسول في تبليغ الوحي الذي أنزله عليه سبحانه أمر طبيعي جدًا، لأن المعجزة إما مشاهدة في فترة زمنية أو مستمرة، وهي القرآن الكريم ... وبعد إدراكها والإِيمان بها وسجود العقل الإِنساني لذلك يسلّم بأن من جاء بها إنّما هو رسول صادق ورسالته معصومة من الخطأ والضلال والاختلاف والتناقض، وأنها هي الحق والعدل الذي أنزله الله العليم الحكيم، وشهادته "بأن الله هو الحكيم الخبير العدل، وأن حُكْمَه كذلك وأنّ هذا الرسول صادق في تبليغ أمر الله" تقتضي هذه الشهادة وهذا الإِيمان أن يسجد العقل والوجدان لكل حكم من أحكام هذه الرسالة التي آمن بها فليس العقل إذًا أصلًا للنقل في كل شيء، وإنما هو أصل في إدراك ثبوت المعجزة التي منها يستدل على قدرة الخالق ثم يلزمه الاستسلام كما قلنا آنفًا (?).

2 - أن الشريعة الإِسلامية ثابتة في نفسها -هذا مقتضى إيمان العقل بالمعجزة- وذلك متحقق قبل عرضها على العقول، بل قبل وجود أصحابها وذلك لأن ثبوتها متحقق من كونها أمر الله سبحانه إما وحيًا بلفظه كالقرآن أو معنى كالسنة، وثابتة في نفسها قبل إيمان الصحابة بها وقبل وجود المعتزلة ووجودنا فهي لا تتوقف على ذلك، وسواء بذلك علمناها أو جهلناها، وأيضًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015