التيه والمخرج (صفحة 34)

وقد مَرَّتِ الآية من قبلُ، ومن المفيد أن نقف معها بعض الْوَقَفَاتِ:

فقوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} صريح في وجوب اتباع طريقهم، ولو كان طويلًا، شاقًّا، وَخَيَّلَ الشيطانُ بُعْدَهُ، وَأَيْأَسَ من الوصول إلى غايته ... وصريح أيضًا في حرمة اتباع غير سبيلهم، ولو رأيناه ميسورًا، قريبَ الْمَنَالِ، سهل الْمَرَامِ، وَخَيَّلَ إلينا الشيطان قُرْبَهُ، وَأَمَّلَ بالوصول إليه، فالعبرة بالاقتداء والاتباع، لا بالوصول والإسراع.

وفي الآية أيضًا وَعِيدٌ من الله سبحانه لِمَنْ خرج عن طريق المؤمنين، وسلك غير سبيلهم أن يتخلى عنه في الدنيا، وأن يعذبه عذابًا أليمًا في الآخرة.

ومعنى: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} أي: لا يكون الله له وليًّا، ولا ناصرًا، ولا مُعِينًا، ولكن يجعل اللهُ وَلِيَّهُ الأمرَ الذي سَلَكَ، وخالف فيه سبيل المؤمنين ..

وبعبارة أخرى: يجعل ناصره وَمُعِينَهُ نفس الأمر الذي تَبَنَّاهُ، فإذا أعرض عن سبيل المؤمنين الذي هو الدعوة قبل التمكين، والدعوة والجهاد بعد التمكين، إلى أمور مُحْدَثَةٍ؛ كالانتخابات، والاغتيالات، التي ليست من سبيل المؤمنين في شيء، بل هي من سبيل غيرهم .. إذا فعل العبد ذلك؛ تخلى الله عن نصرته، وجعل الانتخابات، والاغتيالات -مثلًا- هي مولاه، وناصره .. فَلْيُتَفَطَّنْ إلى هذا المعنى الدقيق، وإلى خطورة الخروج عن منهج المؤمنين.

وَلَعَلَّ هذا هو سر عدم انتصار تلك الدعوات التي خالفت منهجهم، وَعَدَلَتْ عن طريقهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015