(الْحَمد لله) الَّذِي علمنَا من تَأْوِيل الْأَحَادِيث فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله شَهَادَة تنجي قَائِلهَا يَوْم الْعرض وَأشْهد أَن مُحَمَّد رَسُوله الَّذِي خصّه بجوامع الْكَلم فِي الْمقَال وَجمع فِيهِ كل خلق وَخلق حسن فَاسْتَوَى على أكمل الْأَحْوَال [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وعَلى آله وَأَصْحَابه الْأَشِدَّاء الرُّحَمَاء الَّذين اشبهوا فِي الْهِدَايَة بهم نُجُوم السَّمَاء وعَلى الْأَئِمَّة الْأَعْلَام والأولياء الْكِرَام (وَبعد) فَأنى لما شرحت فِيمَا مضى الْجَامِع الصَّغِير من حَدِيث البشير النذير كوى قلب الْحَاسِد لما اسْتَوَى فجهد أَن يَأْتِي لَهُ بنظير فَرجع إِلَيْهِ بَصَره خاسئا وَهُوَ حسير فَلَمَّا آنس من نَفسه الْقُصُور وَالتَّقْصِير عمد إِلَى الطعْن فِيهِ بالتطويل وَكَثْرَة القال والقيل فلقطع أَلْسِنَة الحسدة المتعنتين وقصورهم الراغبين وَخَوف انتحال السارقين أَمرنِي بعض المحبين أَن أختصر اللَّفْظ اختصارا وأقتصر فِي الْمعَانِي على مَا يظْهر جهارا فعمدت أختصر وطفقت أقتصر ثمَّ عنّ لي أَنه كَيفَ يَلِيق إهمال هاتيك النكت البديعة اللطيفة والتحقيقات المنيعة الشَّرِيفَة لخوف السارقين والمنتهبين وقصور الأغبياء والمتغنين فَإِن لم ينْتَفع بِهِ الحاسدون والقاصرون فسينتفع بِهِ المنصفون الكاملون وَأَن انتحل مِنْهُ عتاة خائنون فَمن خوان الْكِرَام ينتهبون ولمثل هَذَا فليعمل الْعَامِلُونَ فَرَأَيْت إبْقَاء الأَصْل على حَاله حذرا من إِضَاعَة هاتيك الْبَدَائِع الروائع الَّتِي هِيَ خُلَاصَة أبكار الْعلمَاء وعصارة أنظار الْفُضَلَاء وَأَن يكون هَذَا شرحا ثَانِيًا وجيزا فدونك يَا طَالب الِاخْتِصَار والاقتصار شرحا كَأَنَّهُ سبيكة نضار وَمَعَ ذَلِك فِيهِ طرف من الظّرْف ونبذة من الْأَدَب من وقف عَلَيْهَا وقف وَمَعَ وصفي لَهُ بذلك مَا أبرئه وَلَا نَفسِي من ريب وَلَا أبيعه بِشَرْط الْبَرَاءَة من كل عيب وَلَا أدّعي فِيهِ كَمَال الاسْتقَامَة وَلَا أَقُول بِأَنَّهُ كَأَصْلِهِ جمع سَلامَة بل أعترف بالقصور وأسأل الله الغفور الْعَفو عَمَّا طَغى بِهِ الْقَلَم فكم جرى بِهَذِهِ السطور فأحرج على من عثر على هفوة أَو كبوة أَن يرقع خرقه ويفتق رتقه