فيه فيما بلغك؟ قال عبيد: قد قلت لك يا أمير المؤمنين أني لا انطق بشيء ليس بيانه في القرآن، وقول الله أصدق فكان من جوابهم لها أن قالوا: {نحن أولو قوة وأولو بأس شديد، والأمر إليك، فانظري ماذا تأمرين؟ قالت: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون}. ثم قالت: {وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون} قال عبيد: فبعثت يا أمير المؤمنين وفداً أربعين رجلاً من رجالها وبعثت معهم بمائة وصيف ومائة وصيفة ولدوا في شهر واحد لهم ذوائب وقصاص والزى واحد وختمت على سراويلهم وبعثت بمائة فرس نتجت في يوم واحد ألوانها واحدة، وبعثت بحق رصاص فيه من الجواهر والزمرد والياقوت الأحمر والأصفر والأبيض والأسود، ملحم لا يوصل إليه إلا أن ينكسر وبعثت بخرزة غير مثقوبة، وكتبت إليه أن اثقب هذه الخرزة بغير حديد ولا علاج أنس ولا جان، وبعثت إليه بخرزة مثقوبة ثقباً ملوياً وسألته أن يدخل فيه خيطاً وقالت للوفد: إن قبل الهدية فهو ملك من الملوك فهو أهون علينا محاربته، وإن ردها ولم يقبلها فالرجل نبي. وقد كتبت إليه كتاباً، فادفعوه إليه واسألوه عما في الحق، وإن يفصل بين الذكر والأنثى من الوصائف والوصفاء وإن يميز الخيل وأيها نتج قبل صاحبه وعن الولاء وعن قرابة ما بين ذلك. فلما قدم الوفد إلى سليمان قرأ كتابها وما سألت عنه من علم وخبر. فدعا الجن والأنس، ودعا بالوفد فقرأ الكتاب وقال لعلمائه: من يميز الغلمان من الجواري لا ينزع ثيابهم؟ فأعلموه إنه لا علم لهم به واشتد
إعجابه بما جاءه من قبلها وشق عليه بعض ما سألته عنه، فمكث أياماً يقلب الأمر ظهراً لبطن حتى علمه الله إياه وأطلعه عليه من حكمته. فدعا بالغلمان والجواري فأمر بطشت فملئ ماء ودعاهم واحداً بعد واحد وقال: اغسلوا أيديكم! فكان الغلمان إذا غسلوا أيديهم حدروا الماء حدراً،